ساهر عمرو
تعتبر الثروة الحيوانية في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل، أحد أهم مصادر السلة الغذائية الحيوانية لما يزيد عن 780 ألف مواطن في المحافظة، ومصدر الدخل الأساسي والوحيد لنحو 1500 أسرة فلسطينية تعيش في المسافر، وتمثل العمود الفقري لصمود الأهالي أمام مخططات الاحتلال الاستيطانية الهادفة الى تهجيرهم من أراضيهم، والاستيلاء عليها لصالح توسعه الاستيطاني.
وبحسب وزارة الزراعة، فإن ما يزيد عن 80 ألف من أمهات المواشي تتركز في مسافر يطا وصولا الى بلدة السموع جنوب الخليل، تمثل ما نسبته 60% من إجمالي الثروة الحيوانية في المنطقة، وتعد مصدر الدخل الأساسي والوحيد لآلاف الأسر الفلسطينية التي تعيش في تلك المناطق، وتعتمد بنسبة 80% في تغذية قطعانها من الماشية على المراعي الطبيعية ومحاصيل اراضيهم الزراعية.
ولأهمية تلك الثروة في تحقيق الأمن الغذائي في الخليل، ودورها الأساسي في تعزيز صمود المواطنين في مناطق المسافر المهددة بالاستيطان، يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى ضرب تلك الثروة وحرمان الاهالي من مصدر دخلهم الاساسي لإضعاف قدرتهم على الصمود، ودفعهم لترك أراضيهم والبحث عن لقمة العيش خارج تلك المناطق.
يقول جمعة ربعي، وهو مزارع من قرية التوانة بمسافر يطا، إنه فقد قبل 4 أعوام ساقه في اعتداء للمستوطنين أثناء رعيه لأغنامه: "كنا نعتمد في تغذية أغنامنا طوال الفترة الممتدة من ثمانية أشهر الى عشرة أشهر على المراعي الطبيعية وعلى محاصيلنا الزراعية، وعلى الأعلاف المشتراة خلال فصل الشتاء فقط".
ويضيف "من أواخر فصل الشتاء حتى منتصف فصل الصيف يكون الاعتماد على المراعي الطبيعية بشكل كامل، وبعد ذلك على ما يتبقى في الحقول من محاصيل زراعية بعد الحصاد، وفي فصل الشتاء يتم شراء كميات قليلة من الأعلاف تخلط بما تم جنيه من محاصيل زراعية من قمح وشعير وغيرها".
ويؤكد "طول الفترة الزمنية التي نعتمد فيها على المراعي الطبيعية والمحاصيل الزراعية هي التي تحدد مستوى عائداتنا، فكلما طالت وتمكنا من الوصول الى المراعي، وزراعة أراضينا والعناية بمحاصيلنا، كلما قل الاعتماد على شراء الأعلاف، وبالتالي تخفيض تكاليف الإنتاج الى أدنى مستوياتها، الأمر الذي يجنبنا الخسائر، ويضمن مستويات كريمة من الدخل.
ويتابع ربعي "الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون يعملون على تقليل تلك الفترة بحرماننا من المراعي الطبيعية ومنعنا من الوصول إليها، وهذا يعني تكاليف إضافية حيث نجبر على تغذيها بالأعلاف المشتراة، وهذا الأمر بات يتكرر بشكل كبير ومبرمج في الآونة الاخيرة".
ويوضح أن المستوطنين يكثفون من اعتداءاتهم على الأراضي، ويمنعونا من زراعتها والعناية بمحاصيلها، بل ويقومون بتدميرها وتسميمها في كثير من الأحيان.
ويقول ربعي إن هذه سياسة مخطط لها، وفيها تقاسم للأدوار بين المستوطنين وجيش الاحتلال، لإجبارنا على الاعتماد على شراء الأعلاف في تغذية مواشينا، وفي ظل ارتفاع الأسعار نتكبد خسائر كبيرة، ونضطر لبيع قطعاننا بالكامل، أو جزء كبير منها لتغطية تكاليف ما يتبقى.
ويشير إلى أنه اضطر لبيع جزء كبير من الأغنام، ولم يستطع الإبقاء إلا على 30 رأسا من أصل 130، وفقد الجزء الأكبر من الدخل الذي كان يعيل أسرته المكونة من 19 فردا، ما دفع عدد من أبنائه للعمل داخل أراضي 48 لتوفير لقمة العيش، في حين يتوسع المستوطنون في تربية الأغنام، على مرأى أعيننا، وأعداد قطعانهم في تزايد مستمر نتيجة دعم الجمعيات الاستيطانية، وسماح سلطات الاحتلال لهم بالرعي في المراعي الطبيعية التي تحرمنا منها وتمنعنا من الوصول إليها.
وفي ذلك، يقول منسق لجان الحماية والصمود فؤاد العمور، ان الاحتلال الاسرائيلي يدرك مدى أهمية الثروة الحيوانية في تعزيز صمود الأهالي في مسافر يطا، باعتبارها مصدر الدخل الأساسي والوحيد لم يزيد عن 4500 نسمة، يشكلون خطا دفاعيا صلبا أمام تنفيذ مشاريعه الاستيطانية.
ويضيف "ينفذ الاحتلال مخططا لضرب تلك الثروة بوسائل وأدوات متعددة منها حرمان الرعاة ومنعهم من الوصول الى المراعي الطبيعية، ومنع المزارعين من زراعة أراضيهم المفتلحة وتدمير محاصيلها".
"وفي تقاسم للأدوار بين المستوطنين وسلطات الاحتلال لتنفيذ هذا المخطط، حيث تعمل الأخيرة على إحكام سيطرتها على سلسلة الجبال الشرقية أو ما تعرف "شفا يطا"، إضافة لمساحات شاسعة من المراعي الطبيعية، وتمنع الرعاة من الوصول اليها بدعوة انها أرضي دولة، وتنفذ عمليات تدريب عسكري كبيرة على مساحات شاسعة من المراعي واراضي المواطنين في مواسم الرعي والحصاد، تمتد الى فترات طويلة، يمنع خلالها المواطنون من الوصول اليها، وتشكل مخلفاتها خطرا على حياة المواطنين، وتسببت في كثير من الأحيان بوقوع إصابات في صفوف الأهالي" يؤكد العمور.
وتتعمد سلطات الاحتلال لمنع المزارعين من الوصول الى اراضيهم المفتلحه في اوقات الحراثة والزراعة، وتصادر معداتهم لفترات طويلة بهدف منعهم من زراعة اراضيهم وتفويت الموسم عليهم، ويكمل المستوطنون المخطط بمهاجمة الرعاة والمزارعين وما يتبقى من حقول لهم، وتدمر محاصيلهم الزراعية وتحرقها وتسممها في كثير من الاحيان، وتطارد قطعانهم وتقوم بالاعتداء عليها.
ويضيف الجبور، أن الاحتلال يسعى من وراء ذلك الى رفع تكاليف تربية الثروة الحيوانية والعناية بها لدى أهالي المسافر الى اعلى مستوى ممكن، فبعد ان كنا نعتمد بنسبة 80% على المراعي الطبيعة والمحاصيل الزراعية، أصبح المزارع يعتمد بنسبة 70% على شراء الاعلاف لتغذية قطعانه، وفي ظل الارتفاع الكبير لأسعار الاعلاف بات المزارع مهددا بتكبد خسائر كبيرة.
ويحذر العمور من سياسة الاحتلال التي تشكل تهديدا حقيقيا من شأنه أن يؤدي الى تدمير الثروة الحيوانية في مسافر يطا بشكل كامل، ويقضي على مصدر الدخل الاساسي للأهالي في تلك المنطقة، ما يضعف قدرتهم على الصمود وهذا ما يسعى اليه الاحتلال.
ويقول مدير زراعة يطا اياد فرج الله ان مخططات الاحتلال لضرب الثروة الحيوانية لا تقتصر فقط على حرمان الرعاة من المراعي الطبيعة وتدمير الاراضي المفتلحة، انما أيضا الاجراءات والاعتداءات التي ينفذها الاحتلال لإنجاح مخططاته حيث يقوم بتدمير واعاقة مشاريع الدعم والاسناد التي تقدم للأهالي في تلك المنطقة.
وبحسب فرج الله فإن من أبرزها تدمير سلطات الاحتلال لما يزيد عن 1000 دونم تم تهيئتها وزراعتها بالبذور المحسنة كمراعي مفتوحة لصالح مربي الاغنام، والملاحقة المستمرة والاعتداء على طواقم الرعاية البيطرية، ومنعهم من تقديم الخدمات البيطرية لقطعان الماشية، ما أدى الى انتشار الامراض ونفوق عدد كبير منها وتكبد المربين خسائر كبيرة.
كما يعمد الاحتلال تدمير مصادر المياه والابار، ومنع إنشاء شبكات للمياه وتدمير ما هو موجود او يتم إنشائه بشكل سري، ما يجبر المزارعين على شراء صهاريج للمياه بأسعار مرتفعة، وتدمير البنية التحتية وإغلاق الطرقات وإعاقة تنقل المواطنين ونقل قطعانهم، ما يضطر المزارعين لسلوك طرق بديلة بعيدة ووعرة وبالتالي ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك يعمد الاحتلال الى سياسة هدم المنازل والمنشآت الزراعية وتجريف الأراضي، ومنع المواطنين من البناء، التي ينتهجها الاحتلال في عملية تطهير عرقي يتعرض لها الاهالي في تلك المناطق، لتهجيرهم عن ارضيهم لصالح التوسع الاستيطاني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها