تقرير: يامن نوباني

وكأن الخيمة باتت مرادفة طبيعية للفلسطيني، ملاصقة لحياته، سقفه ومأواه، وقدره منذ نكبة عام 1948، حين تعرف ما يقارب الـ 900 ألف من أبناء شعبنا على معنى العيش في الخيام.

الخيمة تعود إلى يافا، بعد 73 عاما على النكبة التي أفرزت عشرات آلاف الخيام ومئات آلاف المشردين، وصل عددهم اليوم إلى أكثر من 8 ملايين نسمة موزعين في العالم.

العام هو 2021، والمخيم بدأ بخيمة واحدة، ووصل الآن إلى ما يقارب الـ10 خيمة لـ7 عائلات لديها 27 طفلاً، تنتصب منذ خمسة أيام في حديقة عامة "حديقة الغزازوة" وسط يافا، بعد إبلاغ تلك العائلات بقرار إخلاءها من بيوتها لعدم قدرتها على دفع الإيجارات، رغم أن البيوت عربية هجر أصحابها عام 48، لكن شركتي "عميدار" و"حلاميش" الاستيطانيتين قامتا بالاستيلاء على معظم تلك البيوت في حي العجمي وتحويلها إلى وحدات سكنية بإيجارات مرتفعة لا تستطيع تلك العائلات دفعها، حيث يصل إيجار البيت الصغير والمتوسط من 6-7 آلاف شيقل شهريا.

العائلات التي لجأت إلى المخيم لا تدفع لهم مخصصات أسرية ومستحقات ومساعدات، بالمقابل "عميدار" تطالبهم بأجور مرتفعة لا يمكن تسديدها، خاصة بعد ظروف جائحة "كورونا"، والتي أدت إلى وضع اقتصادي سيء للغاية.

الأهالي المعتصمون، أطلقوا على تجمع الخيام "مخيم الصمود"، فيما ردت بلدية تل أبيب - يافا بتبليغ العائلات ضرورة إزالتها حتى يوم الأربعاء المقبل.

الناشط اليافاوي عبد أبو شحادة قال: محيط يافا وما يطلق عليه المركز هو اليوم عدة تجمعات لمدن يهودية مثل "تل أبيب، وحولون، وبيت يام، وريشون لتسيون، ورمات غان"، والتي يعيش فيها ما يقارب مليوني يهودي، بينما يعيش في هذا المحيط 20 ألف فلسطيني فقط.

وأضاف: بالنسبة لعدد سكان بلدية تل أبيب - يافا فإن نسبة العرب تقريبا 4% فقط، وهناك عدة أسباب لذلك، أهمها عدم مقدرة الفلسطيني على التملك، وارتفاع أسعار البيوت والإيجار بطريقة جنونية.

وتابع: في الثمانينات والتسعينات، كان يمكن شراء بيت بسعر 300-400 ألف شيقل، اليوم البيت الصغير (70-80 متر) في حي العجمي ويافا تبدأ أسعاره من مليون و800 ألف شيقل، وفي غالب الأحيان يكون قديما وبحاجة لترميم بـ300 ألف شيقل أيضا، أي أن سعره يصل إلى 2 مليون شيقل، فيما يصل سعر البيت المتوسط (100 متر) من 5-10 مليون شيقل.

وبين: لم يكن لحي العجمي في التسعينات مخطط هيكلي، لذا كانت الأراضي والبيوت بأسعار معقولة، لكن بعد عام 2000 تم اعتماد خطة هيكلية للحي لا تراعي الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الفلسطيني.

وأوضح أبو شحادة: يبلغ عدد سكان حي العجمي 10 آلاف نسمة، 7 آلاف منهم عرب، أي أنه ببنائه وطباعه وسكانه فلسطيني عربي. وفيه تقع كافة المؤسسات والمساجد والكنائس والنوادي العربية.

ولفت إلى أن نحو 1500 وحدة سكنية يعيش فيها العرب في حي العجمي مملوكة لشركة "عميدار"، بالتالي معظم العرب مهددون بالإخلاء من الحي في السنوات المقبلة، ومنذ عدة سنوات حتى اليوم هناك أكثر من 400 بيت عربي تم إخطاره بالإخلاء.

وتابع: جزء كبير من بيوت حي العجمي هي البيوت التي جرى الاستيلاء عليها عام 1948، منها بيت جدي في تل الريش المهجرة، حيث تم نقلنا إلى حي العجمي واشترط علينا العيش في بيوت تسمح ببقائنا فقط لثلاثة أجيال، لاحقا، في التسعينات قامت السلطات الإسرائيلية بتعديل القرار، والسماح سيكون فقط لجيلين أو جيل واحد. وحين استفسرنا عن بيوتنا قالوا إنه تم الاستيلاء عليها ولا يمكن العودة إليها. وهكذا أصبح معظم العرب في يافا يسكنون في بيوت ليست ملكهم.

وأشار إلى أنه لا يستطيع الفقراء ولا حتى الطبقة المتوسطة اليوم شراء بيت في حي العجمي، حيث رفع أسعار الوحدات السكنية هو وسيلة لجلب أغنياء اليهود للحي، بالتالي بداية تهويد الحي لصالح زيادة أعداد المستوطنين فيه.

وقال أبو شحادة إن زيادة اليهود في العجمي من شأنه أن يؤثر على المدارس العربية التي سينتمي إليها طلبة يهود، وهو ما سيقود لسيطرة متدحرجة على المؤسسة التعليمية، ومطالبات بتخفيض وإلغاء أصوات الآذان في المساجد والصلوات في الكنائس، بالتالي لن نعود مجموعة فلسطينية تعيش في يافا، بل أفراد في مدينة يهودية.

السلطات الإسرائيلية تعتبر البيت الذي يعيش فيه العربي ملك لها، ولا تسمح له بترميمه أبدا، أي شيء صغير يتم تغييره في البيت مباشرة تقوم بتهديد أصحابه بالإخلاء، إحدى العائلات قامت بترميم سقف بيتها عام 2007 خشية سقوطه على العائلة فقامت شركة "عميدار" برفع شكوى لإخلائه من ساكنيه.

"السلطات الإسرائيلية قررت تخطيط المدينة لتعيش فيها الطبقة الغنية فقط!" يقول أبو شحادة.

اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن والهيئة الإسلامية في يافا وهيئات ومؤسسات عربية في المدينة قررت في اجتماعها أمس الإثنين، تنظيم وقفة احتجاجية حاشدة في المدينة الأربعاء المقبل رفضا لإخلاء مخيم الصمود بيافا، ولاحقا سيكون هناك خطوات تصعيدية في حال إخلاء المخيم كالإضراب الشامل في المؤسسات التعليمية بيافا.

ولفت بيان الاجتماع إلى أن هذه البيوت هي بيوت فلسطينية في الأصل، تصنفها السلطات الإسرائيلية بأنها "أملاك غائبين"، واستولت عليها تلك الشركات الاستيطانية والتي بدورها وضعت شروطا تعجيزية على تمليك واستئجار العرب في المدينة وبخاصة المركز والأحياء القديمة، لتهويد الحي وتهجير سكانه أصحاب البلد.