مرات عدة أثر موضوع القائمة المشتركة وأهميتها وضرورتها للجماهير الفلسطينية العربية في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة. وأكدت على أن بقاءها وديمومتها وتطورها، لأنها تمثل مكسبًا أولًا للقوى السياسية الأربع المكونة لها؛ ثانيًا لابناء الشعب الفلسطيني كله، وليس في داخل الداخل فقط. رغم الإدارك العميق لواقعها وتناقضاتها الايديولوجية والعقائدية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلا أن القواسم المشتركة بين مركباتها واسعة، ويمكن البناء عليها ومراكمتها وتطويرها بما يخدم المصالح الخاصة والعامة.
لكن الملاحظ في الأشهر الأخيرة بروز توترات واستقطابات داخلية وخارجية في صفوفها، وخاصة بعد خروج الحركة الاسلامية الجنوبية في أكثر من موقف عن باقي القوى، التي بررها أحد أبرز ممثليها النائب منصور عباس في أكثر من تصريح ولقاء إعلامي، وأحالها لدوافع "تخدم مصالح الجماهير الفلسطينية"، وركز على خلفياتها العقائدية، متجاهلًا من حيث يدري أو لا يدري، أن هذا البعد يمكن تجاوزه لصالح الأبعاد المطلبية والسياسية، التي شكلت الناظم الأساس لإقامتها.
ولا أضيف جديدًا، عند التأكيد على أن الجبهات والائتلافات الواسعة ترتكز على القواسم المشتركة، والعمل على تعزيزها، وإخضاع الخلافات والتباينات لحوار هادئ ومسؤول بين قواها لتقليصها والتخفيف من حدتها، وليس العكس. والقائمة المشتركة ليست استثناءً، وتخضع لذات القوانين والمعايير الناظمة لكل الأطر الجبهوية، غير أن ما يعتمل، وينشر على الملأ في وسائل الإعلام، وفي الندوات واللقاءات الداخلية والخارجية يقفز عن تلك المحددات، ويعمق الانقسام في صفوفها، ويبعدها عن حاضنتها الشعبية، ويهدد وحدتها في حال استمر الوضع التوتيري قائما.
والخطورة في هذه اللحظة السياسية تكمن في تعميق الأزمة بين مكوناتها بعد الإعلان عن حل الكنيست ال23، والاقتراب من الانتخابات البرلمانية في 23 آذار/ مارس 2021، مع أن الضرورة تحتم على القوى كافة تغليب المصالح المشتركة للقوى والشعب، وحماية المكتسبات، التي حققتها خلال العام الماضي، والعمل على توسيعها وتطويرها. ولا يكفي هنا التأكيد اللفظي، وإعلان المواقف الإعلامية عن التمسك بها، وعدم الاندفاع نحو تفكيكها وحلها، أو خروج بعض القوى منها، لأن لهذا الموقف اشتراطات تتمثل في أولا تخطي عقبة التناقضات الداخلية، ثانيًا تعزيز القواسم المشتركة؛ ثالثًا توسيع دائرة الحوار بين قواها المختلفة للتأصيل لتعزيز وحدتها؛ رابعًا وضع خطوط واضحة وجلية للأسس التنظيمية والبرنامجية السياسية والمطلبية؛ خامسا تحديد الكيفية في التعامل مع مكونات الدولة دولة الاستعمار الإسرائيلية: الحكومة والأحزاب والمجتمع الإسرائيلي ككل، بعيدًا عن الخلط المتعمد بين ما يسمى اليمين واليسار الصهيوني، لأن الكل الصهيوني من أقصاه لأقصاه لا يؤمن بالشراكة مع مكونات القائمة، حتى "ميرتس" ما زالت بعيدة عن هضم العلاقة مع الأحزاب والقوى العربية، كون عيون قادتها عمومًا مركزة على الصوت الصهيوني. ومن يحاول منهم مغازلة بعض القوى الفلسطينية، لا ينطلق من الإقرار بمكانة الفلسطينيين العرب كشركاء، وأنداد مساوين للإسرائيليين، وعنوانهم جميعًا "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" العنصري، الذي أنكر، وتنكر لمساواتهم بما في ذلك أبناء الشعب من المعروفيين، وانما يريد رشوتهم بوعود فارغة دون رصيد، بهدف تمزيق وحدة إطارهم الهام، القائمة المشتركة.
وعليه، فإن من يريد وحدة وبقاء وتطور القائمة المشتركة، مطلوب منه ان يعمل لتصليب عودها، وحمايتها، لا العكس، وذلك يتم عبر تجسيد المواقف المعلنة في فعل على الارض واضح ومعلن ومباشر. وتحويل المكتسبات والإنجازات، أيّا كان مستواها ومضمونها باسم القائمة، وليس لحسابات فئوية ضيقة، لا تخدم اصحابها، ولا تخدم القائمة، وتتناقض مع مصالح ابناء الشعب في مناطق الـ48.
الوقت من ذهب فعلًا في هذة اللحظة السياسية، ويتطلب من الجميع الارتقاء لمستوى المسؤولية الخاصة والعامة. والعمل على النزول لابناء الشعب، وتعميق العلاقة مع مكوناته وطبقاته وشرائحه وقطاعاته المختلفة، وعيش همومه ومشاكله، ووضع رؤية تكتيكية واستراتيجية للنهوض بمكانة القائمة والأقلية الفلسطينية العربية كلاعب اساسي وهام في الدولة والمجتمع، دون تغليب عوامل الوحدة، أخشى أن تكون النتيجة خروج البعض، او التفكك والعودة لنقطة الصفر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها