تقرير: ساهر عمرو

واجهت العملية التعليمية في فلسطين تحديات كثيرة على مدى سنوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت دائما تمتلك القدرة والإرادة على الاستمرار بأشكال مختلفة، أوجد لديها القدرة على مواجهة التحديات التي يفرضها انتشار فيروس كورونا، خاصة مع تقدم وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة في التعليم.

حاولت إسرائيل على مدى عقود تكريس سياسة تجهيل ٍممنهجة بحق شعبنا ومؤسساته التعليمية، وأغلقت المدارس والجامعات لفترات طويلة تجاوز بعضها الأربع سنوات خاصة خلال انتفاضة الحجارة عام 1987، ما دفع شعبنا للبحث عن البدائل، فظهر ما عرف  في حينه "بالمدارس الشعبية".

تستذكر المربية المتقاعدة آمنة عمرو تلك الأيام التي كانت لا تزال فيها على رأس عملها كمدرسة، بالقول: كان الاحتلال يعمد إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة لضرب العملية التعليمية، وكان المعلمون يتداعون فورا وبمبادرات ذاتيه للتواصل مع طلابهم، والبحث عن أماكن لتعليمهم والالتقاء بهم، فتحولت المنازل والمساجد والدواوين إلى مدارس شعبية.

وتطوع كل قادر على التدريس لسد غياب أي من المدرسين، فالجزء الأكبر منهم كانوا يعملون في غير قراهم ومدنهم، وكنا نتنقل عبر الحواري والأزقة، ومن منزل إلى آخر ومن قاعة إلى أخرى، للوصول إلى مجموعات الطلبة، وهب المواطنون لمساعدتنا في توفير القاعات والغرف الصفية، القليل منها كانت تحتوي على المقاعد والألواح، والمعظم كان يستخدم الجدران للكتابة والشرح.

وأضافت، كانت أياما صعبة، ولكن كان فيها التحدي والإصرار عنوانا للعمل، وتمكن الجميع من الحد من الآثار السلبية لسياسة التجهيل التي حاول الاحتلال فرضها.

ما أشبه اليوم بالأمس، كورونا كما الاحتلال، تسبب كلاهما في إغلاق مؤسساتنا التعليمية، ولكن بالتحدي والإصرار تمكن الفلسطينيون من مواجهة سياسة التجهيل، وبذات الإرادة المعززة بما راكمته تلك التجربة من خبرات، سنكون الأقدر على تجاوز هذه الأزمة أيضا.

إلى ذلك اعتبر رئيس جامعة الخليل صلاح الزرو، أن هناك تقاطعا كبيرا بين الحالتين، من حيث إغلاق مؤسسات التعليم، إلا أن الظروف التي أحاطت بمواجهتنا لإجراءات الاحتلال في الحالة الأولى وإفشال "سياسة التجهيل"، كانت أكثر صعوبة وتعقيدا مما هي عليه الآن.

وتابع، في الماضي منعنا الاحتلال من تطوير آليات للتعاطي مع مشكلة الإغلاق، ومنع التعليم الشعبي الذي انطلق في الأحياء الفلسطينية، وطورد وحورب كل من شارك فيه، وأعلن الاحتلال أن اللجان الشعبيةَ المشرفة على مدارس الأحياء ممنوعة، وعليه اعتُبرت كل محاولة لتدريس أي مجموعة من الطّلبة نشاطًا معاديًا. وبهذه الحجة أغلقت سلطات الاحتلال العديد من المؤسسات والجمعيات التي كانت تقوم بذلك.

وكذلك اعتبرت سلطات الإحلال كل تجمع من أجل التعليم امرا خارجا عن القانون ويعاقب عليه، وقد أغلقت الجامعات الفلسطينية واعتبرت مناطق عسكرية مغلقة وكذلك الحال بالنسبة للمعاهد التعليمية أيضاً، وشمل الإغلاق (1174) مدرسة في الضفة الغربية لفترة امتدت الى (17) شهراً من مجموع (28).

ولكن الأمور تختلف الآن، يقول الزرو، فهناك توجه قوي على جميع المستويات سواء الشعبية منها أو الرسمية، ومنذ اللحظة الأولى، للبحث عن البدائل، فانطلق المدرسون للتواصل مع طلبتهم من خلال ما هو متوفر ومتاح من تكنولوجيا وأدوات للتواصل الاجتماعي، وكذلك أطلقت وزارة التربية والتعليم البرامج والدروس التعليمية من خلال محطات التلفزة، وعلى صعيد الجامعات بدأ تتبع العمل بالتعليم من خلال الشبكة العنكبوتية، ففي جامعة الخليل باتت 75% من المساقات تدرس من خلال التعليم الالكتروني.

وأضاف، أن وجود السلطة الوطنية الداعمة والحريصة على استمرار العملية التعليمية، وكذلك توفر الإمكانيات التكنولوجية ووسائل التواصل والاتصال المتطورة، جعلتا من التحدي الحالي أسهل بكثير مما كان عليه إبان سياسة التجهيل، فالسلطة في حينه كانت سلطة احتلال بالكامل، وهي صاحبة المشروع التجهيلي، والإمكانيات كانت معدومة، ووسائل الاتصال شبه مقطوعة، ولكن كما انتصرنا على سياسة الاحتلال تلك بظروفها الصعبة، سننتصر على كورونا وما فرضه علينا ظهوره.

واعتبر عميد كلية التربية بجامعة الخليل، الدكتور كمال مخامرة، أن ما نشهده الآن من مبادرات فلسطينية من كافة المستويات في "التعليم عن بعد"، يعيد إلى الأذهان ما عُرف "بـالتعليم الشعبي" خلال الانتفاضة الأولى، حين قرر الاحتلال إغلاق المدارس والجامعات لفترات طويلة، وكيف أبدع الفلسطينيون حينها في تجاوز ذلك رافعين شعارا "لا لسياسة التجهيل".

وقال، لعل سرعة استحضار الإرث الوطني المتراكم بالتجربة سهل على الفلسطينيين، من خلال رد الفعل التلقائي والسريع وما هو متاح من استراتيجيات التعليم عن بعد على استمرار العملية التعليمية إلى حد كبير، مؤكدا أننا قادرون على تجاوز هذه المحنة.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء بلغ عدد الجامعات والكليات الجامعية وكليات المجتمع المتوسطة في فلسطين في العام الدراسي 2018/2019، بلغ 50، منها 33 في الضفة الغربية، و17 في قطاع غزة، بالإضافة إلى جامعتين للتعليم المفتوح وهما القدس المفتوحة ولها 17 فرعا في الضفة و5 فروع في غزة، والجامعة العربية المفتوحة في رام الله، فيما بلغ عدد المدارس لذات العام 3037 مدرسة.