عوّدتْنا "حماسُ" على القيامِ بينِ وقتٍ وآخرَ بعملٍ يخرقُ كلَّ حدودِ الأخلاقِ والمحرّماتِ الوطنيّةِ دونَ أنْ ترتجفَ يدُها خجلاً من فعلتِها أو احترامًا لشعبنا الذي تدّعي أنَّ مصلحتَهُ هي همُّها اليوميُّ. هذا هو حالُ شعبِنا مع هذه الحركةِ التي احترفت التضليلَ والكذبَ والنّفاقَ، ومارست كلَّ الخطايا التي يحرّمُها الانتماءُ لوطنٍ اسمُهُ فلسطين. لقد شكّلت منذُ بدايةِ وجودِها جسمًا موازيًا لمنظّمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ وأصرّتْ على البقاءِ خارجَ أطرِها، وذلك في محاولةٍ لتحقيقِ هدفينِ طالما راودا مخيّلةَ الآباءِ الرّوحيّين لـ"حماس" من تيّار الإخوانِ المسلمين: الهدفُ الأولُ هو محاولةُِ إنشاءِ قوّةٍ منافسةٍ لمنظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ تنازعُها على حقِّ تمثيلِ شعبِنا وقيادةِ مشروعهِ الوطنيِّ. أمّا الهدفُ الثّاني فهو الإيحاءُ بأنَّ الشّعبَ الفلسطينيَّ لا يملكُ إطارًا أو هيئةً واحدةً تمثّلهُ وتتحدّثُ بِاسمه، بكلِّ ما يعنيهِ ذلكَ من طعنٍ بالصّفةِ التمثيليّةِ للمنظمةِ، وهي صفةٌ اكتسبتْها عبرَ مسيرةٍ طويلةٍ من النضالِ والتضحياتِ التي قدّمها شعبُنا حتى كرّسَ هويتهُ الوطنيّةَ ورسّخَ حضورَهُ كحقيقةٍ سياسيّةٍ لا يمكنُ لأحدٍ تجاوزُها.

 

كان انقلابُ "حماس" على الشرعيةِ الوطنيّةِ عام ٢٠٠٧ حلقةً جديدةً من حلقاتِ النّهجِ الذي ميّزَ سلوكهَا على الدّوامِ، وجاءَ الانقلابُ بعد أنْ فشلت "حماس" في السيطرةِ على القرارِ الوطنيِّ رغمَ فوزِها في انتخاباتِ المجلسِ التشريعيِّ التي جرتْ في إطارِ اتفاقيةِ أوسلو، لتكتشفَ لاحقًا أنَّ هذا الفوزَ لم يمنحْها الحقَّ بادعاءِ تمثيلِ الشعبِ الفلسطينيِّ، لأنّ هذا الحقَّ هو ملكيةٌ حصريّةٌ لمنظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ التي يتجاوزُ دورُها وتمثيلُها حدودَ السُّلطةِ الوطنيةِ ليشملَ شعبَنا في أماكن وجودهِ كافّةً. هذا هو السببُ الحقيقيُّ للانقلابِ الذي أدخلَ ثقافةَ القتلِ وسحلِ الأحياءِ والتّمثيلِ بالجثثِ إلى الواقعِ الفلسطينيِّ بكلِّ ما تسبّبت به هذه الثقافةُ الدّخيلةُ من شرخٍ بين شطرَي الوطنِ ومن زرعِ بذورِ الأحقادِ والضغينةِ المجتمعيّةِ بين مكوّناتِ شعبِنا المختلفةِ. ولا تقتصرُ خطورةُ الانقلابِ على عددِ الضحايا الذين تتحمّلُ "حماسُ" وزرَهم أثناءَ انقلابِها، بل تمتدُّ لتشملَ ممارساتِ ميليشياتِها الهادفةَ إلى تكريسِ الانقلابِ وتحويلِهِ إلى أمرٍ واقعٍ حتى لو كانَ ثمنُ ذلكَ هو مساومةُ العدوِّ وعقدُ "التفاهماتِ" معهُ والقيامُ بكلِّ ما يُطلَبُ منها لإثباتِ التزامِها بشروطِ التّهدئةِ، حتى صارت مثالاً "للعقلانيّةِ" في نظرِ الإعلامِ الإسرائيليِّ، بينما نراها تكشّرُ عن أنيابِها كلّما رفعَ شعبُنا صوتَهُ احتجاجًا على قمعِ ميليشياتِها للعبادِ وتطاولِها على كرامتِهم.

 

في ظلِّ هذا التّاريخِ الحافلِ بالممارساتِ الإجراميّةِ من قتلٍ واختطافٍ وتعذيبٍ وقطعِ للأطرافِ، تحاولُ "حماس" الاستخفافَ بعقولِ الناسِ وتقومُ بمهزلةِ إضرابِ ممثّليها الذين يدّعونَ المطالبةَ برواتبهِم المقطوعةِ متناسينِ أنّهم يدافعون عن حركةِ قطّعت أطرافَ المناضلينَ وقطّعت أوصالَ الوطن. وإذا كانت "حماس" تفترضُ أنّ ذاكرةَ شعبِنا قصيرةٌ فإنَّ ضحايا انقلابِها ما زالوا قادرينَ على رفعِ أصواتِهم في وجهِ المنافقينَ الذينَ يتستّرونَ ِبِاسمِ الأسرى ويحاولون بثَّ الفتنةِ واختلاقَ سببٍ جديدٍ للإساءةِ إلى وحدةِ شعبِنا في هذه المرحلةِ المصيريّةِ التي تتصاعدُ فيها وتيرةُ العدوانِ الأمريكيِّ-الإسرائيليِّ الذي يستهدفُ القفزَ على حقوقِنا الوطنيّةِ وتثبيتَ دعائمِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ الاستعماريِّ في وطنِنا فلسطين.

 

*قمّةُ المهازل هي خروجُ ممثّلي الميليشياتِ المتخصّصةِ بقطعِ الأرجلِ للاحتجاجِ على ما يدّعونَ أنهُ قطعٌ لرواتبِهم، وهمُ لا يعترفونَ أصلاً بشرعيّةِ السُّلطةِ التي يطالبونَها بالقيامِ بدورِ الصرّافِ الآليّ.

 

٣٠-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان