تقرير: خضر الزعنون

لم تقلع أي طائرة من مطار غزة الدولي أو تحط فيه منذ حوالي 18 عاما، بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لأحد رموز الدولة الفلسطينية، ولحق الفلسطينيين في السيادة على أرضهم.

في مثل هذا اليوم، وقبل 21 عاما، تم افتتاح أول مطار من قبل الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات في العام 1998، ولكنه تحول إلى رماد، بعد قصفه من قبل الاحتلال على فترات، في تعمد واضح لاستهداف الحلم الفلسطيني في الحصول على دولة مستقلة ذات سيادة.  

منسق سلطة الطيران في قطاع غزة زهير زملط (55 عاما) يسرد لـ"وفا" ذكريات تلك الأيام، بقوله: بعد مرور تلك السنوات، القلب يدمع والحزن يخيم علينا، فقد تلاشى الحلم بعد أن كان واقعا جميلا".

ويضيف زملط، "المطار كان رمزا من رموز الدولة الفلسطينية، ووسيلة اتصالنا بالعالم الخارجي، فقد كان يوفر علينا الوقت والجهد والمال، وعناء السفر لساعات طويلة".

ويستذكر بحسرة مراحل إنشاء المطار، بقوله: شهدت بناء المطار منذ كان عبارة عن كثبان رملية وحتى افتتاحه رسميا بحضور دولي، يا لحسرتنا، المطار كان يعج بآلاف المسافرين ويستقبل رؤساء العالم، حولوه إلى مكب نفايات، إنها مصيبة المصائب، فقد مسحوا الذكريات الجميلة.

ويتابع: الإسرائيليون راهنوا على أن بناء المطار يحتاج إلى 7 سنوات، لكن "أبو عمار" بناه في 6 أشهر، فقد كان معجزة.

أما أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي، فيقول: إقامة المطار كانت من أهم الإنجازات التاريخية التي حققتها السلطة الوطنية والرئيس الراحل "أبو عمار" آنذاك، ولكن الاحتلال لم يرق له الأمر، فاستغل الانتفاضة من أجل تدميره، وتدمير الفرصة الحقيقية لتواصلنا مع العالم الخارجي، وتواصله معنا".

وشدد على ضرورة ايجاد شركاء حقيقيين ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء ما تمارسه دولة الاحتلال بحق مقدراتنا، والحاجة ملحة لبنائه.

بدورهم، قال موظفو سلطة الطيران المدني في غزة: بنينا المطار لبنة لبنة، وطوبة طوبة، كي يصبح رمز السيادة الأول، لكن مع الأسف، حالياً لا نرى فيه سوى الدمار والخراب.

يذكر أن مطار غزة الدولي كان يقع جنوب شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ويضم المدرج الرئيسي وطوله  3080 مترا وبعرض 60 متراً، وبدأ البناء فيه يوم عشرين كانون الثاني/ يناير1996، عندما وضع الرئيس الراحل أبو عمار حجر الأساس لهذا الرمز الوطني على طريق إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

وعلى أرض المطار تشاهد هياكل خرسانية لبقايا قاعات الوصول والمغادرة وأكوام من الركام تتوسطها حفر كبيرة، بفعل القصف من الطيران الحربي الإسرائيلي والتدمير الممنهج، الذي استهدف المكان على مدار السنين الماضية، فيما تملأ القمامة التي تنقلها أحيانا عربات تجرها حمير من الأحياء الفقيرة المجاورة المدرج الرئيس.

ولا يصل مكان المطار المدمر إلا قلة من المواطنين، بينما يمر المئات عبر الطريق الرملي المحاذي في كل يوم جمعة للمشاركة في مسيرات احتجاجية اسبوعية، تقام على مقربة من الحدود الشرقية لمدينة رفح جنوب شرق القطاع، للتأكيد على حق العودة ورفضاً للحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.

وفي حزيران/ يونيو1996، حطت طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات على أرض المطار الذي افتتح رسمياً في كانون الأول/ ديسمبر1998 بحضور الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون وعقيلته هيلاري... يومها كان أبناء شعبنا يأملون أن يتحقق حلم إقامة الدولة المستقلة على أرض الوطن.

وصمم مطار غزة لاستيعاب 750 ألف مسافر سنوياً، على مساحة تقدر بـ2800 دونم بكلفة 22 مليون دولار، وبتمويل دول عديدة في العالم...كان يعمل فيه قرابة 1200 موظف مدني وأمني.

واستضاف المطار أول شركة طيران فلسطينية كانت تملك طائرتين صغيرتين من نوع "فوكر"، إضافة إلى طائرة بوينغ 727 تتسع لـ145 راكباً.

وبعيد اندلاع انتفاضة الأقصى يوم 28 أيلول/ سبتمبر2000، التي استشهد فيها آلاف المواطنين واستمرت لسنوات عدة، تعمدت إسرائيل في 2001، قصف المطار ما ألحق به أضراراً جسيمة، ثم قُصف في عدوان 2008-2009 وما تلاه، وتعرض بعدها مراراً للقصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي ودمر.

في 2007، استغل مجهولون حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية بعيد الانقلاب لسرقة محتويات ومعدات من المطار، من بينها أجهزة الرادار وبرج المراقبة الجوية والأثاث، واقتلعوا حجارة الأرصفة وشبكات الكهرباء والمياه، ما حول المدرج الرئيسي إلى أرض قاحلة.