أخذَ العراقيّونَ منْ فلسطينَ أجملَ قصيدةٍ كتبَها الشّاعرُ إبراهيم طوقان، وهي قصيدةُ "موطني" وجعلوها نشيدَهمُ الوطنيَّ، فلا ندري حين نستمعُ إلى ألحانِهِ هلْ نحنُ في العراقِ أم في فلسطين. وفي المقابلِ أعطى العراقيّونَ شعبَ فلسطينَ أجملَ ما لديهِم، أبناءهُم شهداءَ معركةِ الدّفاعِ عن جنين عام ١٩٤٨، التي حالتْ دونَ وقوعِ المدينةِ حينَها في قبضةِ العصاباتِ الصّهيونيّةِ. ويدرِكُ من يعرفُ تضاريس جنين جيّدًا كيفَ التفَّ الفلسطينيّونَ حولَ مقبرةِ شهداءِ الجيشِ العراقيِّ لتنشأ بلدةٌ تسكنُها مئاتُ العائلاتِ، اسمُها مثلّثُ الشّهداءِ، تحرسُ أبطالَ الجيشِ العراقيِّ الذين اختاروا البقاءَ في فلسطينَ إلى الأبد. 

 

هذه بعضُ أسرارِ العلاقةِ بين شعبَيْ فلسطينَ والعراقِ، وهي علاقةٌ تفسّرُ الاهتمامَ الفلسطينيَّ بما يجري في هذا البلدِ العربيِّ الذي طالما وَصَفهُ زعيمُنا الخالدُ أبو عمّار بأنّهُ البوّابةُ الشّرقيةُ للوطنِ العربيّ. وليس سرًّا أنَّ بدايةَ الانهيارِ في الموقفِ العربيِّ جاءتْ مرافقَةً لما تعرّضَ لهُ العراقُ من غزوٍ أمريكيٍّ وما أدّى إليهِ هذا الغزوُ من نشْرِ الفوضى والطّائفيةِ والإرهابِ، وهو ما جعلَ العراقَ عُرضةً للتدخلاتِ الخارجيّةِ، وخاصةً من جارتَيْهِ إيرانَ وتركيا. وتكادُ هذه التدخّلاتُ أن تكونَ استكمالاً للدّورِ الأمريكيِّ الذي سعى إلى تقسيمِ العراقِ ليكونَ بذلكَ مجرّدًا من أدنى إمكانيةٍ للصّمودِ في وجهِ العبَثِ الذي تمارسهُ الجارتان الطامعتانِ بالسيطرةِ على مقدّراتِ العراقِ والتحكُّمِ بقرارِهِ السيّاسيّ. وقد تمكّنت إيرانُ على وجهِ الخصوصِ من تجييرِ نتائجِ الغزوِ الأمريكيِّ لخدمةِ مصالِحها، مستغلّةً حالةَ الاستقطابِ الطائفيِّ، وهو ما جعلَ العراقَ ساحةً مفتوحةً أمامَ إيرانَ تقرّرُ فيها شكلَ الحكومةِ وتُقيلُها متى تشاءُ، وتنشرُ فيها الميليشياتِ المسلّحةَ التي تشكّلُ "جيشًا" موازيًا للجيشِ النظاميِّ بل ويتفوّقُ عليهِ تسليحًا وعددًا. كما تستغلُّ إيرانُ العراقَ كسوقٍ لمنتجاتِها الرديئةِ وبوّابةً تتحايلُ عبرها على العقوباتِ الأمريكيّةِ، وهي بطبيعةِ الحالِ عقوباتٌ تفتقدُ للشّرعيّةِ وتمثّلُ شكلاً من أشكالِ القرصنةِ لا أكثر، لكنَّ الانتهاكاتِ الإيرانيّةَ للسيادةِ العراقيّةِ ليست المخرَجَ من تلكَ العقوبات. 

 

أمامَ حالةِ الفوضى والتمزّقِ الطائفيِّ الذي نثرَ الغزوُ الأمريكيُّ بذورَهُ ورعاها، وتجني ثمارَها إيران، وأمامَ حالةِ الفسادِ ونهبِ خيراتِ العراقِ على أيدي الفئاتِ المتسلّطةِ على مقدّراتِ الدّولةِ، وبعدَ إنهاكِ شعبِ العراقِ في دوّامةِ داعش والحشدِ الشعبيِّ، بعد هذا كلّهِ وبسبَبِهِ يخرجُ الشّعبُ العراقيُّ بكلّ فئاتِهِ ومذاهبِهِ وطوائفِهِ موحّدًا تحتَ رايةٍ واحدةٍ هي علمُ العراقِ ويعلنُ ثورتَهُ في وجهِ العابثينَ بمستقبلِهِ سواءً كانوا منْ الطبقةِ الحاكمةِ الفاسدةِ أو من القوى الخارجيّةِ وأوّلُها إيران التي تنتهكُ سيادةَ العراقِ وترسّخُ فيه النظامَ الطائفيَّ الذي يتماشى مع طبيعةِ نظامِها ويخدمُ ما تسعى لهُ من توسيعِ دائرةِ نفوذِها على حسابِ مصالحِ شعوبِ المنطقةِ واستقرارِها.

 

مطلبُ "إسقاطِ النّظامِ" الذي يرفعهُ المشاركونَ في الحراكِ الشّعبيِّ في العراقِ، كما هو الحالُ في لبنانَ، يختلفُ عن مطالبِ "إسقاطِ النّظامِ" الذي رافقَ ما سمّيَ زورًا بالرّبيعِ العربيِّ، والذي أدّى إلى كلِّ ما نراهُ من مظاهرِ الدّمارِ والفوضى والتمزّق. فإسقاطُ النظامِ الذي يسعى إليهِ المنتفضونَ في ساحاتِ العراقِ ولبنانَ هو دعوةٌ إلى القضاءِ على النّظامِ الطائفيِّ أوّلاً، لأنه يشكّلُ أصلَ كلِّ المصائبِ التي يعاني منها النّاسُ البُسطاءُ مثلما تعاني منها الدّولةُ من خلالِ رهنِ قرارِها للقوى الخارجيّةِ. 

 

*مشروعُ "الفوضى الخلّاقةِ" بدأ باحتلالِ العراقِ وتمزيقِهِ وتسليمِ قرارِهِ لعبيدِ العقليّةِ الطائفيّةِ في الدّاخلِ والخارجِ، وفي ساحاتِ العراقِ يعلِنُ الشّعبُ ثورتَهُ ضدَّ الطائفيّةِ والهيمنةِ الخارجيّةِ، وكأنّهُ يقولُ لكوندوليزا رايس صاحبةِ نظريّةِ الفوضى الخلّاقةِ: عراقُ العروبةِ لا يُمكِنُ أنْ يُهزَم!

 

٣-١١-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان