الكتابُ هو التجسيدُ الملموسُ للتجربةِ الإنسانيّةِ ووسيلةُ نقلِها بأمانةٍ للقارئ دونَ أنْ يتكبّدَ الأخيرُ عناءَ خوضِ تجربةِ الكاتبِ بأخطائها ومصاعبِها، ودونَ أنْ يُجهِدَ نفسَهُ في البحثِ والدراسةِ والاستقصاءِ لجمعِ الأفكارِ المنثورةِ في خبايا المراجعِ العلميةِ والتي يُسخّرُ الكاتبُ وقتَهُ وجهدَهُ لنفضِ الغبارِ عنها وتقديمِها للقارئ بقالبٍ جاهزٍ لا يحتاجُ سوى إلى إرادةِ القراءةِ وحبِّ الاطّلاعِ وإثراءِ العقلِ بما يحتاجُهُ من زادِ العلْمِ وكنوزِ المعرفة. ليست القراءةُ إذن تَرفاً أو خياراً يمكنُ اللجوءُ إليهِ لسدِّ أوقاتِ الفراغِ التي تفصلُ بينَ واجباتِنا اليوميّةِ، ولو كانت كذلكَ لما كانَ للفكرِ قيمةٌ تُذكَر، لكنّها عملٌ لا بدَّ من المواظبةِ على القيامِ بهِ التزاماً بواجبِ الإنسانِ نحو نفسِهِ، وإيمانِهِ بضرورةِ مواكبةِ نتاجِ العلومِ والمعارفِ العامّةِ التي يسهلُ الحصولُ عليها، علاوةً على ضرورةِ تنميةِ القدراتِ المتعلّقةِ بمجالِ اختصاصِ الفردِ بغضِّ النّظرِ عن طبيعةِ المهنةِ التي يمارِسُها أو المهمّةِ التي تُسنَدُ إليه. فليسَ مطلوباً من كلّ طبيبٍ أو خبيرٍ اقتصاديٍّ أو متفرّغٍ لتنفيذِ مهمّةٍ محدّدةٍ أنْ يجري التجاربَ والأبحاثَ العلميةَِ والدّراساتِ الميدانيّةَ المُكلِفةَ والمعقّدةَ، فهذهِ مهمّةٌ يتفرّغُ لها بعضُ النّخبةِ عن طيبِ خاطرٍ وتماشياً مع مهاراتٍ لا تتوفرُّ إلّا عندَ قلّةٍ متخصّصةٍ في كلِّ مجالٍ من مجالاتِ الحياةِ. لكنَّ واجبَ الطبيبِ والمدرّسِ والخبيرِ والموظّفِ هو تكريسُ جزءٍ من وقتِهِ لمتابعةِ كلِّ جديدٍ دونْ أنْ يحتاجَ لتحقيقِ ذلكَ سوى إلى بعضِ الوقتِ الذي لا يمكنُ مقارنتهُ مع الوقتِ الذي استقطعهُ الكاتبُ من حياتِهِ لصياغةِ أفكارِهِ أو نتائجِ دراساتِهِ وأبحاثِه ونقْلِها لمن يرغبُ في الاستفادةِ منها.

 

وإذا كانَ الكتابُ خيرَ جليسٍ للإنسانِ فإنّهُ أداةُ المناضلينَ في الحركاتِ الثوريّةِ لتحصينِ أنفسِهم بالوعيِ الكافي وبالمعلومةِ الضروريّةِ لزيادةِ المناعةِ ضدَّ مرضِ التكلّسِ وجفافِ الأفكارِ وتوقُّفِها عن النموِّ والتطوّرِ ولتوفيرِ ما يحفظُ قدرتَها على الاستمراريّةِ وتجديدِ طرحِ نفسِها كأداةِ استقطابٍ لا يتجاوزُها قطارُ الزّمنِ ولا تنالُ منها جيوشُ المخرّبينَ الذينَ يحترفونَ الكذبَ والتضليلَ ويحاولونَ قتلَ حقيقةِ الأفكارِ الخلّاقةِ بالإشاعاتِ ونشرِ ثقافةِ اليأسِ. وليسَ هناكَ من سلاحٍ لتعزيزِ الثقةِ بالنفسِ والتفاؤلِ بالمستقبَلِ أفضلُ من سلاحِ المعرفةِ، تماماً كما أنَّ الجهلَ هو الأرضيةُ الأكثرُ خصوبةً لنموِّ ثقافةِ اليأسِ والإحباطِ والعجز. وقد أثبتت التجربةُ أنّ الفئاتِ القابلةَ لتقبّلِ الإشاعةِ هي الفئاتُ الأقلُّ وعياً، بينما يحافظُ من يمتلكُ المعلومةَ الصحيحةَ على ثقتِهِ بإمكانيّةِ تحقيقِ النّصرِ رغمَ إدراكهِ لتعقيداتِ الواقعِ وصعوباتِه.

 

نعلمُ أنَّ أعداءَ مشروعنا الوطنيِّ يلجأونَ إلى قلبِ الحقائقِ وتعميمِ الشائعاتِ وتضخيمِ الأخطاءِ ضمن خطّةٍ متواصلةٍ هدفُها الأوّلُ هو إثارةُ شكوكِ الإنسانِ العاديِّ بإمكانيّةِ التصدّي لمشاريعِهم، وأمامَ هذا كلّهِ يصبحُ واجبُ المثابرةِ على القراءةِ واحداً من مقوّماتِ نجاحِ المقاومةِ وتعزيزِ الصمودِ أمامَ أعدائنا وخصومِنا. لكنَّ ما يعطي القراءةَ مضمونَها الحقيقيَّ هو نقلُ نتائجِها إلى كلِّ المحيطينَ بنا، فبهذا نستطيعُ تعميمَ ما حصلنا عليهِ من فائدةٍ واستخدامَهُ لخدمةِ هدفنِا المشتركِ من خلالِ التركيزِ على الظواهرِ الإيجابيّةِ التي تعزّزُ ثقافةَ التفاؤلِ وتجعلُها نهجاً يحظى بإجماعِ المناضلينَ والأطرِ والمؤسّسات. فلا يمكن لأحدٍ سوى للمؤمنِ بحتميةِ النّصرِ أن يتصدى لكلِّ ظواهرِ الفسادِ والمحسوبيّةِ والشلليّةِ والعشائريّةِ، لأنّ الواثقَ من النّصرِ يثقُ أولاً أنّ كلَّ الظواهرِ السلبيةِ هي ظواهرُ طارئةٌ يجبُ وأدُها من أجلِ ضمانِ الوصولِ بمشروعنا الوطنيِّ إلى أهدافهِ غيرِ القابلةِ للمساومة.

 

*القراءةُ وسيلةٌ غيرُ مكْلِفةٍ لزيادةِ الوعي وتعزيزِ الثّقةِ بالنّفسِ ونشرِ ثقافةِ التّفاؤلِ، ويكفي لتحقيقِ ذلكَ تخصيصُ جزءٍ يسيرٍ من الوقتِ الذي تسرقُهُ من حياتِنا وسائلُ "التواصلِ" الاجتماعيِّ لقراءةِ ما ينفعُ النّاسَ ولا يذهبُ هباءً.

 

٢١-١٠-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان