ربما لا يتذكّر أحدٌ الآنَ قصّةَ عودةِ العلاقاتِ بين الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّةِ والصين إثرَ زيارةِ الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين عام ١٩٧٢ بعد قطيعةٍ استمرت منذ إنشاء جمهورية الصين الشعبية عام ١٩٤٩. فقد سبقَت إعادةَ العلاقاتِ الدبلوماسيةِ زيارةُ فريقٍ كبير من لاعبي كرة الطاولةِ الأمريكيّين إلى الصّين في أول محاولةِ لكسْر الجليدِ في العلاقاتِ بين البلدين، وهو ما عُرفَ لاحقًا بدبلوماسيّةِ البينغ بونغ (تنس الطّاولة). وربما يكون التاريخُ قد طوى صفحةَ "حربِ كُرةِ القدمِ" التي نشبت بين هندوراس والسلفادور في صيف عام ١٩٦٩ إثرَ خلافٍ واعتداءاتٍ متبادَلةٍ قامَ بها مشجّعو كلٍّ من الفريقَيْنِ ضدّ جمهورِ الفريق الآخرِ أثناء التصفياتِ النهائيةِ للتأهلِ للمشاركةِ في بطولةِ كأس العالمِ في المكسيك عام ١٩٧٠. وفي ذاكرتنا العربيةِ الحديثةِ لا زلنا نحتفظُ بمرارةٍ بصُوَرِ خلافِ الشّقيقَتَيْنِ مصرَ والجزائرِ عام ٢٠٠٩ في تصفيات كأس العالم. لكنّنا كفلسطينيّينَ نحتفظُ بصورةٍ أخرى للشّعبِ الجزائريِّ الشقيقِ، صورةٍ مشرقةٍ شكّلت سابقةً في تاريخ "تشجيع" الجمهور" -أيِّ جمهورٍ لمُنتَخبِه، حيثُ انحازَ أبناءُ الجزائرِ إلى فريقِ "الفدائي" في المباراةِ الودّيّةِ التي جمعت فريقَ فلسطينَ ومضيفَهُ الجزائريَّ في شهر شباط/فبراير ٢٠١٦، واعتَبروا أنَّ فلسطينَ لا يُمكِنُ أنْ تُهزَمَ حتى في مباراةِ كُرةِ قدمٍ، حتى لو كانت تلك المباراةُ معَ منتخَبِ الجزائرِ ذاتِها.

 

زيارةُ منتَخبِ كرةِ القدمِ السّعوديِّ الشقيقِ إلى فلسطينَ ولقاؤهُ مع المنتخبِ الفلسطينيِّ فوقَ أرضِ فلسطينَ ليستْ حدثًا عاديًّا فهي استمرارٌ لجهدٍ طويلٍ يواظبُ عليه القائمون على شؤونِ كرةِ القدمِ الفلسطينيّةِ، وهو القطاعُ الذي تدرِكُ القيادةُ وحركةُ "فتح" على وجهِ الخصوصِ أهميّتَهُ وتكلّفُ مهمةَ متابعتِهِ لأمين سرِّ اللجنةِ المركزيّةِ الأخ جبريل الرجوب، ليس فقط من أجلِ تعزيزِ ممارسةِ هذه الرياضةِ وطنيًّا كحقّ ننتزعهُ من براثنِ المحتلِّ، وإنّما أيضًا لاستخدامِها كإحدى أدواتِ تثبيتِ السيادةِ الوطنيّةِ والتمسّكِ بكلِّ ما من شأنِهِ رفعُ رايةِ الوطنِ وإظهارُ وجههِ الحضاريِّ والتصدي لمحاولاتِ العدوّ الهادفةِ إلى تشويهِ صورتِنا وتجريدِنا من حضارَتنا وثقافتِنا وحتى من صفاتِنا الإنسانيّة.

 

 زيارةُ المنتَخبِ السّعوديِّ هي قبلَ كلِّ شيءٍ حقٌّ من حقوقِ منتَخَبِنا الوطنيِّ الذي لا يميّزهُ عن باقي منتخباتِ العالَمِ سوى وجودُ هذا الاحتلالِ البغيضِ، ومن ضمنِ حقوقِ فريقِنا أنْ يلعبَ أمامَ جمهورِهِ وعلى أرضِ وطنِه. لكنَّ للزيارةِ أبعادًا أخرى لا تقلُّ أهميّةً عن الالتزام بحقوقِ منتخبِنا، ولعلَّ أهمَ تلكَ الأبعادِ هو الشّجاعةُ في التّعاملِ مع الشّعبِ الفلسطينيِّ كشعبٍ شقيقٍ يرزحُ تحتَ نيرِ أطولِ احتلالٍ في التّاريخِ الحديثِ، وبالتالي يصبحُ الإمعانُ بالتمسّكِ بالقطيعةِ معهُ أخطرَ أنواعِ الاعترافِ بالاحتلالِ والتطبيعِ معهُ، بينما يمثّلُ اختراقُ جدارِ الحصارِ الذي يفرضُهُ العدوُّ على شعبِنا أحدَ أهمِّ وسائلِ دعمِ صمودِهِ فوقَ أرضِ وطنِهِ ووسيلةً فعّالةً للإبقاءِ على علاقتِهِ بأشقّائهِ وأصدقائه. وهي زيارةٌ لا تقلُّ أهميّةً عن زياراتِ وفودِ التّضامنِ معَ شعبِنا التي تزورُ الوطنَ وتشاركُنا في معركةِ الصّمودِ، لكن بعدَ حصولِها على تأشيراتِ دخولٍ إسرائيليّةٍ، لأنّ الاحتلالَ ببساطةٍ يتحكّمُ حتى بالهواءِ الذي نتنفّسهُ، وبالتالي لا يعيبُ المنتخبَ السّعوديَّ أو غيرَهُ من الزائرينَ أنْ يمرّوا عبرَ حواجزِ الاحتلالِ ويخضعوا لتعسُّفِهِ ويكونوا شهودًا على صمودِ شعبِنا وعنادِهِ وتصدّيهِ لعصاباتِ المستوطنينَ وبطشِ الدّولةِ الصّهيونيّة.

 

الشّعبُ الفلسطينيُّ يقدّرُ زيارةَ الأشقّاءِ السعوديّين ويميّزُ بينَ القادمينَ إليهِ حاملينَ ودَّ ومحبّةَ شعوبِهم وحرصَها على التّواصلِ مع المرابطينَ في أرضِ فلسطينَ المباركةِ، وبينَ دعاةِ التطبيعِ الذين يدخلون فلسطينَ خلسةً ويدنّسون أرضَها عندما يحتمونَ بجيشِ الاحتلالِ وشرطتِه. هكذا نفهمُ زياراتِ أشقائنا، وهُم مثلُنا تمامًا لا يعترفونَ بشرعيّةِ الاحتلالِ، ولو كانَ الأمرُ غيرَ ذلكَ لكانَ علينا عدمُ التنقّلِ بينَ مدننا وقرانا ومخيماتنا التي تحاصرُها الحواجزُ والمستوطناتُ من كلّ جانبٍ، ولو كانَ الخضوعُ لإجراءاتِ الاحتلالِ اعترافًا بهِ لكانَ من الواجبِ علينا أن لا نصلّي في القدسِ لأنّ زيارَتها حسبَ تفسيرِ العدَميّينَ هي اعترافٌ بالسيادةِ الإسرائيليةِ عليها!

 

*زيارةُ فلسطينَ من بوّابتِها الفلسطينيّةِ ليستْ تطبيعًا مع الاحتلالِ ولا اعترافًا بشرعيّتِهِ، بل هي تعبيرٌ عن دعمِ صمودِ شعبِنا في وطنِهِ وإصرارٌ على المحافظةِ على العلاقةِ التي تربطُهُ بأشقّائهِ وأصدقائه. لذلكَ نقولُ للمنتخَبِ السعوديِّ الشقيقِ: أهلاً وسهلاً بكُمْ في فلسطين.

 

٩-١٠-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان