كثُرَ عددُ البكّائينَ الرّافضينَ لاستلامِ الأموالِ الفلسطينيّةِ الخاضعةِ للقرصنةِ الإسرائيليّةِ منذُ بدايةِ العامِ الجاري، ولو دقّقنا النظرَ فيما كتبَهُ السّوادُ الأعظمُ ممّن ينتحبونَ الآنَ حُزناً على "حقوقِ الشهداءِ" لوجَدْنا أنّهُم كانوا يشكّلونَ "السّوادَ الأعظمَ" بينَ البكّائينَ شفقةً على الموظّفينَ وما أصابَ رواتِبَهُم من تخفيضٍ، فما الذي جرى حتّى يرفعَ المُعترضونَ على استلامِ أموالِ شعبِنا أصواتَهم بعدَ هذهِ المعركةِ الطويلةِ من التحدّي دفاعاً عن ثوابتِنا الوطنيّةِ وأولّها الالتزامُ بالدّفاعِ عن حقّ الشّهداءِ والجرحى والأسرى بتبوّءِ أعلى مراتبِ الاحترامِ والتكريمِ والوفاءِ في سلّمِ أولوّياتِنا الوطنيّة؟

 

كانَ قرارُ التّصدّي للقرصنةِ الإسرائيليّةِ تعبيراً عن الالتزامِ بالوفاءِ بواجبِنا تجاهَ شهداءِ المسيرةِ الوطنيّةِ وجرحاها وأسرى شعبِنا الصّامدينَ في سجونِ الاحتلالِ، وليسَ سرّاً أنَّ المواجهةَ مع القرصنةِ الإسرائيليّةِ قد أدّتْ إلى تقليصِ رواتبِ الموظّفينَ ومنتسبي الأجهزةِ الأمنيّةِ والعاملينَ في سفاراتِ فلسطينَ وممثّلياتِها في الخارجِ، لكنّ شعبَنا لم يَرفعْ صوتَهُ احتجاجاً أو تملمُلاً من هذا الوضْعِ رغمَ ما ندركُهُ من اعتمادِ الغالبيةِ العظمى من الموظّفين على الرّاتبِ كمَصدرٍ وحيدٍ للدّخلِ ولتسديدِ التزاماتِهم نحو عائلاتِهم. ولكن، وعلى الرّغمِ منْ شُحِّ الوارداتِ، فإنَّ القيادةَ لم تتوقّفْ لحظةً عن دفعِ مستحقّاتِ الشهداءِ والجرحى والأسرى ولم تتعرّضْ تلكَ المستحقّاتُ لأيّ تقليصٍ أسوةً ببقيّةِ الرّواتبِ، كتأكيدٍ على ثباتِ الموقفِ الفلسطينيِّ برفضِ الإملاءاتِ الإسرائيليّة.

 

بمواكبةِ معركةِ الصّمودِ في وجهِ القرصنةِ الإسرائيليّةِ لم تتوقّفِ القيادةُ الفلسطينيّةُ عن مطالبةِ الدّولِ العربيّةِ بتوفيرِ مظلّةِ أمانٍ ماليّةٍ تقي شعبَنا من خطرِ العنجهيّةِ الإسرائيليّةِ وتساعدُهُ على الصّمودِ وتوفيرِ ما تحتاجهُ الموازنةُ الفلسطينيّةُ من أموالٍ للاستمرارِ بالقيامِ بواجباتِها، لكنّ هذهِ المطالبةَ لم تجدْ آذاناً صاغيّةً وكأنّ الموقفَ العربيَّ الرّسميَّ شريكٌ في الضّغطِ على شعبِنا لإجبارِهِ على الاستسلامِ لإرادةِ المحتلِّ الإسرائيليّ. وغنيٌّ عن القولِ إنّ الهدفَ من هذه المعركةِ لم يكُن زيادةَ الأعباءِ التي يتحمّلُها شعبُنا، وإنما كانَ منذُ البدايةِ واستمرَّ وسيستمرُّ متمسّكاً برفضِ ما تحاولُ دولةُ الاحتلالِ والاستيطانِ فرضَهُ علينا من تنازلٍ عن عدالةِ ومشروعيّةِ نضالِنا الوطنيِّ منذُ بدايةِ الهجمةِ الصّهيونيّةِ ضدّ وطنِنا وشعبِنا ومقدّساتِنا. 

 

القيادةُ مسؤولةٌ عن إدارةِ الصّراعِ والتمسّكِ بالثّوابتِ وإقناعِ الشّعبِ بدعمِ خياراتِها الصّعبةِ، وقد نجحتْ في ذلكَ رغمَ ما تحمّلَهُ شعبُنا من تبعاتٍ. وفي المقابلِ فإنّ القيادةَ مسؤولةٌ وبنفسِ المستوى عن المحافظةِ على كرامةِ المواطنِ وتوفيرِ مستلزَماتِ صمودِهِ، والتي يشكّلُ الرّاتبُ أداتَها الرئيسة، فنحنُ في خضمِّ معركةٍ كبرى تستلزمُ حشدَ الطاقاتِ كلّها لمواجهةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ ولعدمِ الانحناءِ أمامَ الضّغوطِ الأمريكيّةِ الهادفةِ إلى فرْضِ صفقةِ القرنِ وتمريرِها بكلِّ ما فيها من أخطار تتهدّدُ المشروعَ الوطنيَّ برمّتِهِ، علاوةً على المسؤوليّةِ عن مواصلةِ مسيرةِ الصّمودِ وبناءِ أسُسِ دولتِنا الفلسطينيّةِ رغمَ أنْفِ الاحتلالِ، ولسنا في واردِ تعريضِ المواطنِ المتمسّكِ بخياراتِهِ الوطنيّةِ لخطرِ الجوعِ أو اللجوءِ إلى بيعِ أرضهِ لتوفيرِ احتياجاتِهِ اليوميّة. من هنا كان القرارُ بانتزاعِ أموالِنا مترافقاً مع التمسّكِ بموقفِنا تجاهَ أبطالِ مسيرتِنا الوطنيّةِ، مع عدمِ الاعترافِ بشرعيّةِ القرصنةِ الإسرائيليّةِ التي يجبُ علينا التعاملُ معها كضريبةٍ نقدّمُها ثمناً للالتزامِ بشرعيّةِ نضالِنا وبتقديرِنا لكلّ الذينَ قدّموا التضحياتِ عبرَ هذا النضالِ الطويل. ومن دواعي السّخريةِ أنْ نرى أن جوقةَ البكّائينَ الرّافضينَ لاستلامِ أموالِنا المحتجزةِ عندَ القراصنةِ المحتلّينَ تضمُّ في صفوفِها قادةً وناطقين إعلاميّينَ لا يَشعرونَ بالخَجلِ وهُم يستلمونَ شهريّاً أموالَ "منحةِ" الإخوانِ المسلمينَ القادمةِ إليهِم عبرَ مطارِ اللّد.

 

*ترفضُ جوقةُ البكّائينَ تخفيضَ الرّواتبِ وتتّهمُ القيادةَ بالتصلّبِ غيرِ المبّرَّرِ في مواجهةِ القرصنةِ الإسرائيليّة، ثُمّ تذرفُ الدّموعَ على حُقوقِ الشّهداءِ والجرحى والأسرى، وهي في الحالَتَيْنِ جَوقةّ منَ المُنافِقينَ.

 

٧-١٠-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان