أُسدِلَ الستار نهائيًّا على نتائج انتخابات الكنيست الـ22، التي جرت في 17 أيلول/ سبتمبر الحالي (2019)، وأظهرت تقدُّم تكتل "أزرق أبيض" على الليكود بمقعدين، وهو ما يعني أنّ الأوفر حظًّا في التكليف لرئاسة الحكومة، هو بيني غانتس.
مع ذلك، ومن خلال متابعة ردود فعل بنيامين نتنياهو، لوحظ عدم تسليمه بذلك من خلال التالي: أولاً لم يسلم رئيس الحكومة المنتهية ولايته بالهزيمة، وخرج فجر الأربعاء الماضي الموافق 18/9/2019 على محازبيه والجمهور الإسرائيلي وكأنّه "المنتصر"؛ ثانيًا وانعكاسًا لما ذكر، التقى بالقيادات المركزية في الليكود وطالبهم بعدم التصريح بأي موقف، وقبل ذلك ألزمهم بدعمه، وعدم الخروج عن إرادته، والتعامل مع نتائج الانتخابات، وكأنها كانت في صالحه شخصيا، وصالح الليكود؛ ثالثًا كما التقى ذات يوم الأربعاء مع قوى اليمين المتطرف صباحًا، وانتزع منهم موقفا لصالحه شخصيا، ولصالح ائتلاف اليمين المتطرف؛ رابعا حاول إحداث اختراقات في معسكر الوسط، وما يطلق عليه مجازًا "يسار" من خلال الاتصال مع عمير بيرتس، زعيم حزب العمل، وعرض عليه وزارة المالية، ووزارتين أخريين، ورفع نسبة الحد الأدنى للأجور لـ 6000 شيقل، لكنّه لم يجد آذانًا صاغية. وحتى حاول اختراق بعض أعضاء تكتل "أزرق- أبيض" من خلال تقديم عروض إغرائية، غير انه باء بالفشل؛ خامسًا قبل ذلك حاول استقطاب حزب ليبرمان "إسرائيل بيتنا"، لكنّ محاولته سقطت، لأنّه لم يجد صدى لاتصاله، ولم يردّ عليه أحد؛ سادسًا حاول طرق باب بيني غانتس، زعيم "أزرق أبيض" بهدف عرض تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، لكن الهاتف بقي يرن دون أن يرفع السماعة أحد.
فأطلق تصريحًا بدا فيه الإحباط بائنًا على كلماته ومحياه، وهو ما أعلنه مباشرة عندما قال: "اتصلت بغانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنه لم يرد، وهذا أمر محبط".
وكان زعيم إسرائيل بيتنا، أعلن بوضوح لا أحد يتصل معي إلا على أرضية تشكيل حكومة وحدة، ولكن دون نتنياهو، وإن بقي لا يكون هو رئيس الحكومة. وكان كلا الزعيمين غانتس وليبرمان أعلنا بوضوح، أن ألاعيب نتنياهو السياسية لم تعد تنطلي على احد. حيث لا يجوز لمهزوم أن يجري أي اتصال لتشكيل الحكومة القادمة، والأجدر أن يقوم غانتس بالاتصال بالقوى والكتل والأحزاب المختلفة لتشكيل الحكومة بعد تكليفه رسميًّا من قبل الرئيس ريفلين بتشكيل الحكومة القادمة، لا سيما وانه الأوفر حظا بذلك، وبغض النظر عن طبيعة الحكومة، وعن نجاحه من عدمه.
ممّا لا شك فيه، أنّ الشارع الإسرائيلي لم يمنح أيًّا من التكتلين المركزيين (الليكود وأزرق ابيض) تفويضًا واضحا بتشكيل الحكومة، ووضع جميع القوى الصهيونية في مأزق معقد يصعب الخروج منه بسهولة، وقد تكون اسهل الحلول تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة من اللبراليين والمتدينين.
ولكن هذا السيناريو ليس سهلاً بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن ليبرمان لا يقبل القسمة على الحريديم، وغانتس لا توجد عنده مشكلة معهم. ومن زاوية ثانية مع أنَّ تكتل "أزرق أبيض" أوجد حلّاً لمشاركة نتنياهو في الحكومة، وفي حال وجهت له التهم ينسحب منها ليحل محله شخص آخر من حزبه. لكنها قد تصطدم بخروج أصوات من الليكود في ضوء سقوط نجم زعيمهم، وأفول مرحلته يعترض على وجوده في الحكومة من أصله، لأنه وحملته الانتخابية وسياساته السبب الأساسي في هزيمة الليكود.
وحدث ولا حرج عن سيناريوهات تشكيل حكومات مضيقة، وكيفية التوليف بين القوى المنضوية فيها، والداعمة لها (القائمة المشتركة)، هل يقبل ليبرمان ذلك؟ وهل تقبل القائمة ذلك بأي ثمن وتتخلى عن محددات دعمها لأي حكومة؟ وهل يقبل مشاركة قوى أخرى من أوساط الحريديم؟ وهل يمكن حدوث خيانات في الليكود، أو العكس صحيح، في حال فشل غانتس، أو حتى قبل تكليفه هل يخون بعض أعضائه التكتل، وينحاز لنتنياهو، لا سيما أنّ عضوين نصحا غانتس للموافقة على دعوة نتنياهو، والرد على اتصالاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية معه... إلخ؟؟
والأخطر ممَّا تقدَّم، هل يسلم نتنياهو الجمل بما حمل لغانتس، ويحني رقبته لبوابة السجن؟ أم يبقى يناور، ويستثمر وجوده في الحكومة خلال الفترة القريبة القادمة، ويلجأ لتوريط إسرائيل في حرب على جبهة غزة، أو على جبهة الشمال، خاصة أنَّ هو رئيس الوزراء ووزير الجيش، ومعه كابينت عنصري وفاشي أكثر منه ليخلط الأوراق، ويرغم الرئيس ريفلين على تأجيل التكليف بسبب حالة الطوارئ، وحتى يمكن تحت ضغط اللحظة قد يدفع حزب الجنرالات لتغيير موقفهم منه، وينخرطوا في متاهة ألاعيبه. بتعبير آخر أن أرانب الساحر نتنياهو لم تنته حتى اللحظة الراهنة، وقد يأتي بأرنب غير مسبوق لإرباك المشهد الإسرائيلي.
الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تفضِ تمامًا لنتائج حاسمة، صحيح أظهرت هزيمة نتنياهو، ولكنها أبقت بيده بعض عناصر القوة، التي يمكن أن يلجأ لاستخدامها دفاعًا عن شخصه ومكانته، كونه غير مستعد لترك كرسي الحكم، وغير مستعد، ولا يريد أن يستعد لتقبُّل التهم الموجهة له، ويرفض رفضًا قاطعًا الدخول للسجن، ممّا سيحتم عليه مواصلة العبث بالمشهد الإسرائيلي، ويدفع المنطقة برمتها لدوامات عنف وفوضى جديدة ليبقى متربّعًا على سدة عرش الحكومة الخامسة.. لكن لا يوجد شيء مضمون لزعيم الليكود المهزوم والمثخن بجراح الفساد والملاحقة القضائية. الصورة ما زالت مشوشّة في إسرائيل. ويخطئ من يعتقد أنَّ المشهد بات واضحًا تمامًا.