رجال السياسة ليسوا واحدًا، وبعيدًا عن خلفياتهم الفكرية والسياسية، والأهداف التي يدافعون عنها. هم بشر لهم خصال وسمات بعضها حسنة، وبعضها الآخر سيئة، بتعبير آخر فيهم الغث ومنهم السمين، وتجد بينهم الفطن والذكي، وصاحب الكاريزما، وبينهم البلطجي وقاطع الطريق والفاسد، وفيهم الحكيم والرصين والمبدع، وبعضهم تلقي به الصدف ليحتل موقعا مركزيًّا في هذا البلد، أو ذاك، أو هذا الحزب أو تلك القوة، أو التكتّل.
ولو أخذنا نموذجا بنيامين نتنياهو، وحاولنا أن نعمل تقييمًا سريعًا لشخصيته من خلال الربط بين الملموسية والتجريدية، نجد انه يمتلك مواصفات قيادية وفق معايير الليكود والحركة الصهيونية وقوى اليمين الصهيوني المتطرفة، وهذا ما تؤكد عليه تجربته في توليه الحكم لعقد كامل. ولكنه بذات القدر، هو رجل فاسد، ودكتاتور، ومريض سلطة وكرسي حكم، ومحترف في المناورة، وخطف الأنظار وحرفها عن سياقاتها، والالتفاف على القضايا الجوهرية، وتأجيج الصراعات الوهمية، ودس الدسائس في اوساط الساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية، فضلا عن انه ديماغوجي وكلاموجي وشكلاني، يبحث عن الضوء والسوشال ميديا. ولكنه ايضا يستميت في الدفاع عن مصالحه الخاصة ومصالح معتقداته الصهيونية الاستعمارية، وهو مؤصل للعنصرية والفاشية.
وإذا توقَّفنا أمام قانون الكاميرات وإصراره على تركيبها في مقار انتخابات الكنيست الـ22 في الوسط الفلسطيني العربي دون مراكز الاقتراع في الوسط اليهودي الصهيوني، رغم رفض المستشار القضائي للحكومة مندلبليت لتوجه رئيس الوزراء، واعتباره هذا القانون عنصريا. غير أن زعيم الائتلاف الحاكم أصر على ذلك، وانتزع قرارا من الكابنيت والحكومة المستقيلة، وسيطرح القانون على الكنيست اليوم (الاثنين الموافق 9/9/2019)، مع أنّ زعماء أزرق ابيض، وحزب العمل، وميريتس، وإسرائيل الديمقراطية، فضلا عن القائمة العربية المشتركة رفضوا هذا التوجه، وجميعهم اعتبروه توجها عنصريا، ويتناقض مع الديمقراطية الشكلية الإسرائيلية.
ولكن ما الهدف من الإصرار على طرح القانون العنصري؟ هل هو قضية مركزية، أم هناك سبب آخر؟ باختصار شديد، ودون توسع، أهداف نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، ومعهم ليبرمان (إسرائيل بيتنا) يهدفون إلى الآتي: أولاً تعميق الطابع العنصري للدولة الإسرائيلية الاستعمارية من خلال استهداف الجماهير الفلسطينية العربية؛ ثانيًا ممارسة الإرهاب المنظم على الجماهير الفلسطينية وقواها السياسية دون سواها في الدولة الإسرائيلية؛ ثالثًا حرف الأنظار عن فساد وأخطار نتنياهو كحاكم في إسرائيل، وتسليط الضوء على قضايا هامشية، ليست ذات أهمية مركزية، ولكن رئيس الحكومة المسكون بكرسي الحكم، شاء رفع قضية الكاميرات إلى مستوى مركزي لإلهاء الشارع الإسرائيلي في قضية تفصيلية، ونسيان، أو عدم التركيز على موبقات ومفاسد زعيم الليكود؛ رابعًا محاولة إقناع الشارع الإسرائيلي بأنه مازال الشخص الأكثر قدرة وكاريزمية للحكم في إسرائيل من خلال انتزاع "إنجازات" جزئية من هنا وهناك، كما قانون الكاميرات؛ خامسا وبالتلازم مع قانون الكاميرات العنصري، يحاول فرض نفسه على عدد من الدول كضيف ثقيل الظل، رغم أنّ بعض الدول رفضت استقباله كالهند، وحتى روسيا، التي طلب زيارتها، تحاول أن تتملّص من استقباله، والهدف من جملة الزيارات لبعض الدول، هو "تضخيم" دوره الإقليمي والدولي، وباعتباره الصهيوني الأكثر إثارة وانفتاحا على العالم، والأكثر حضورا في العالم، بهدف إضافة إنجازات لرصيده السياسي، وليغطي على قضايا الفساد الأربع، التي تلاحقه؛ سادسا سلسلة التصريحات العنصرية التي يطلقها ضد المصالح والحقوق الفلسطينية في الخليل وفي مستعمرة "الكان" مع بداية العام الدراسي وحيثما ولى وجهه لتسويق نفسه، لكسب رضا المستوطنين الاستعماريين والشارع اليميني المتطرف للبقاء في رئاسة الحكومة لولاية جديدة بهدف بناء "دولة إسرائيل الكبرى" على حساب حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني.
قانون كاميرات رئيس الوزراء الفاسد، قانون تافه، ووضيع، ويكشف عن المستوى العنصري الرخيص، الذي هبط إليه نتنياهو وائتلافه الحاكم، وهو أيضًا انعكاس لأزمة عميقة لقائد المشروع الصهيوني الحالي، ولحزبه، ولائتلافه وللمشروع الصهيوني ككل.