في مُقدّمةِ القواعدِ الأخلاقيّةِ التي وضعَها أبو الطب "أبقراط" تأتي القاعدةُ البسيطةُ التي تقولُ: "بدايةً، لا تُؤذِ"، ونَصُّها في اللغةِ اللاتينيةِ القديمةِ (Primum non nocere).
هذا يعني أنَّ درْءَ الأذى عنِ المريضِ وعدمَ مفاقمةِ حالتِهِ لهُ الأولويةُ قبلَ العلاجِ واستئصالِ الداء، فلا فائدةَ من علاجٍ إذا كانتْ نتيجتُهُ بالمحصّلةِ هي المزيدَ منَ المعاناةِ بدلاً من الشفاء.
ليسَ هناكَ مهنةٌ تحظى بالاحترامِ والتقديرِ، سواءً في المُجتمعاتِ البدائيةِ أو المتطورةِ، مثلَ مهنةِ الطبّ، وفي المقابلِ هناكَ منظومةٌ منَ القواعدِ الأخلاقيّةِ الصارمةِ التي يجبُ على الطبيبِ أنْ يلتزِمَ بها ويجعَلَها بوصلةً لممارسةِ هذهِ المهنةِ التي حباهُ اللهُ بأسرارِها، فهو بشكلٍ أو بآخرَ أداةُ الخالقِ في تنفيذِ إرادتِهِ بشفاءِ المرضى والتغلّبِ على آلامِهم ومعاناتِهم.
ليسَ مصادفةً أنْ تستمرَّ دراسةُ الطبِّ فترةً أطولَ منْ كلّ المِهَنِ الأخرى، وليسَ مصادفةً أيضًا أنْ يُشترطَ للدراسةِ تمتّعُ المرشّحِ بصفاتٍ تميّزهُ عنْ غيرهِ، ليسَ المعدّلُ المرتفعُ في نهايةِ التعليمِ المدرسيّ سوى واحدةٍ منها. كما لا بدّ من الإشارةِ إلى أنّ اكتسابَ المهاراتِ المطلوبةِ للإلمامِ بأسرارِ المهنةِ هي عمليةٌ مستمرّةٌ لا تتوقّفُ أبدًا، وهو ما يتطلّبُ المواظبةَ على البحْثِ والتعلّمِ ومواكبةَ كلّ جديدٍ والتفرّغَ للعملِ في كلّ الظروفِ وعلى حسابِ الحياةِ الشخصيّةِ والعائليةِ في معظمِ الأحيان.
هذه المقدّمةُ الطويلةُ هي المدخلُ لمخاطبةِ الأخوةِ الأطباءِ في فلسطينَ ليظلّوا دومًا أوفياءَ لأخلاقِ مهنَتِهم وليبتَعدُوا عن التصرّفِ كموظّفينَ عاديّين يُمكنُ أن يلجأوا إلى الإضرابِ أو تعطيلِ المؤسساتِ العامةِ لتحقيقِ مطالبِهم مَهْما كانتْ تلكَ المطالِبُ عادلةً. على الجانبِ الآخرِ لا بدّ منْ قَطعِ دابِرِ الاعتداءاتِ المتكرّرةِ على المستشفياتِ وطواقمِ العاملينَ فيها بشكلٍ يتنافى مع أخلاقِنا وتقاليدِنا الوطنيّةِ، ففي كلّ بيتٍ هناكَ شخصٌ مريضٌ بحاجةٍ إلى العلاج، ومنْ هنا يصبِحُ التعرّضُ للأطباءِ وتحطيمُ المستشفياتِ وأدواتِها وتجهيزاتِها عَملاً مرفوضًا يتساوى بالنتيجةِ معَ ما يمارسُهُ الاحتلالُ من تدميرٍ مُمنهجٍ لكلّ مكوّناتِ بنائنا الوطنيّ.
الطبيبُ مصدَرُ فخرٍ للعائلةِ التي ينتمي إليها، والتي تقتطعُ منْ لقمةِ عيشِها في كثيرٍ من الأحيانِ لكيْ تتمكّنَ من إنجازِ مهمّةِ تعليمِ أحدِ أبنائها وحصولِهِ على لقبِ "طبيب". وهو أيضًا مصدرُ فخرٍ للوطنِ لأنّهُ استطاعَ قهرَ كلّ المعوّقاتِ وانحازَ إلى الإنسانِ بصفتهِ محورَ اهتمامهِ الوحيدَ. لا أحدَ يضاهي أطباءنا في مهاراتِهم المهنيّةِ وتفانيهِم في أداءِ رسالتِهم، ولا أحدَ مثلَهم مطالبٌ بكظمِ الغيظِ وتغليبِ لغةِ العقلِ وثقافةِ الحوار، ولأنّهم قدوتُنا فلا أحدَ قبلَهم مُطالَبٌ بالالتزامِ بالقانونِ واحترامِ المؤسساتِ المسؤولةِ عن تطبيقِهِ، عملاً بقاعدةٍ رومانيةٍ تقول: (Dura lex sed lex)، أي: قانونٌ قاسٍ، لكنّهُ قانون".
*الطبيبُ فوقَ كلِّ الخلافاتِ، وتَحْتَ سَقْفِ القانون
٨-٨-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة" فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان