مَنْ يَعرِفُ تركيبةَ موازنةِ السُّلطةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ يُدرِكُ أنَّ القرصنةَ الإسرائيليةَ التي تتعرّضُ لها أموالُ الشعبِ الفلسطينيِّ تُشكّلُ تحدّيّاً هائلاً أمامَ القيادةِ الفلسطينيّة. ورغمَ أنّ خَفْضَ قيمةِ ما يتمُّ دفعُهُ منَ الرواتبِ إلى النّصفِ يُخفّفُ مِنْ أعباءِ الموازنةِ إلا أنّهُ يُضيفُ أعباءً جَديدةً إلى "موازنةِ" كلّ أُسرَةٍ وكلّ مواطن. فما الذي يُحافظُ على تَمسُّكِ القيادةِ برفضِ هذهِ القرصَنةِ؟ ولماذا يَتَفهَّمُ المواطنُ المُثْقَلُ بالدّيونِ موقفَ قيادتِه؟
إنّها الكرامةُ الوطنيةُ المُستمدّةُ مِنْ سِرِّ الوفاءِ لأولئكَ الذينَ رفعُوا عالياً رايةَ فلسطينَ وجَسّدوا وجُودَها وجَعلوا اسمَها صنواً للنضالِ ومثالاً يَقتدي بهِ الأحرارُ في العالمِ كلّه، إنّهم الشهداءُ والجرحى والأسرى، بناةُ الشخصيّةِ الوَطنيّةِ الفلسطينيّةِ المُعاصِرةِ، وحرّاسُ حلمِ شعبِنا بالعودةِ والحريّةِ والاستقلال الوطنيّ. ولأنّهُمْ كلُّ هذا وأكثرُ فإنَّ حكومةَ الاحتلالِ الاستيطانيَّ تحاوِلُ مقايضَتنا على التزاماتِنا الوطنيةِ والأخلاقيّةِ تجاهَهُم وتجاهَ أُسَرِهِم مقابلَ الإفراجِ عن أموالِ المقاصةِ التي تتعاملُ معها كرهينةٍ تستخدِمُها لابتزازِ القيادةِ الفلسطينيةِ من أجلِ التخلّي عن واحدٍ من أهمّ الثوابتِ التي تُشكّلُ أعمدةَ خَيْمَةِ الإجماعِ الوطنيّ.
ما يتعرّضُ له شعبُنا منْ إرهابٍ وقتلٍ يوميٍّ ومنْ حصارٍ أمريكيٍّ وقَرصنةٍ إسرائيليةٍ لنْ تكونَ نتيجتُهُ انفضاضَ الشّعبِ منْ حَولِ قيادتِهِ مطالِباً إيّاها بالتراجُعِ عنْ مواقِفِها من صفقةِ القرنِ أو بالخضوعِ للإرهابِ الإسرائيليّ، ولنْ يؤدّي إلى ليِّ ذراعِ القيادةِ وجرِّها إلى مربّعِ المُساومةِ على المُسلّماتِ الوطنيّةِ، بلْ على النّقيضِ منْ ذلكَ تماماً، ستجدُ إسرائيلُ نفْسَها في مواجهةِ مزيدٍ من الإجراءاتٍ الفلسطينيّةٍ المضادّةِ، والتي جاءَ قرارُ وَقْفِ العَملِ بالاتفاقيّاتِ الموقّعةِ معَ دولةِ الاحتلالِ ليكونَ باكورَتَها، ليقولَ لإسرائيلَ ولأمريكا بلَهجةِ الفلسطينيّ العنيدِ:
*حيطنا مش واطي، إنّهُ شامخٌ يلامِسُ السّماءَ ويَضْرِبُ جُذورَهُ عَميقاً في الأرضِ كأسْوارِ القُدْس.
٢٩-٧-٢٠١٩
*رسالة اليوم*
رسالة حركية يومية من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.