منذ اليوم الأول للحديث الأميركي عن صفقة القرن، اتّخذت القيادة الفلسطينية على رأس شعبها قرارًا نهائيًّا وقاطعًا وشاملاً بإسقاط هذه الصفقة العار، لأنَّها صفقة معادية بالمطلق لشعبنا بما يشبه الانقلاب الكامل، أميركا برئاسة ترامب انتقلت من دور الوسيط، وهو وسيط غير نزيه في معظم الأحوال ومنحاز إلى الحركة الصهيونية ووليدها الفاقد لليقين (إسرائيل)، إلى دور الانحياز العدواني، بل لقد وصل الأمر إلى ما يشبه الكاريكاتير الساخر، ترامب يفتح صدره للعدوان الكامل علينا، ونتنياهو يختبئ خلفه، ونتنياهو يكتب كل حرف في صيغة صفقة القرن وكل جملة وكل سطر، وترامب يسير وراءه كالمضبوع، وهو الإنسان الذي صرخ بوجهه هذا الحيوان المفترس فاقد القدرة والوعي إلى حيث يوصله الضبع إلى مغارته ليأكله، هكذا وصل الأمر برئيس أميركا هو وصبية إدارته ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي جون بولتن، يسيرون خلف نتنياهو أشبه بالمأخوذين الفاقدين للعقل والإرادة والرؤية، يبشرون بنتنياهو كأنه نبيهم المقدس، لأن هذه الإدارة الترامبية وصلت إلى البيت الأبيض بطرق مشبوهة، غير شريفة، مخادعة للشعب الأميركي ومؤسساته الدستورية والقضائية وعندها إحساس بأنّها إدارة ساقطة، وتمحور أمل البقاء في أن ملك (إسرائيل) نتنياهو هو وحده القادر على مساندتهم في سباق الانتخابات 2020، وعندما سقط هذا الوهم مع سقوط نتنياهو بفشله في تشكيل ائتلاف حكومي، زاد الذعر، فمن كانوا يظنون أنه سيساعدهم عبر اللوبيات اليهودية في أميركا أعجز عن مساعدة نفسه، والوزراء الذين كان نتنياهو يلعب بهم في إسرائيل مثل صديقه القديم أفيغدور ليبرمان ويأخذ منهم وزاراتهم ويتركهم كالنساء المعلقات، لا هن متزوجات ولا هن مطلقات، فجأة اصبحوا أقطاب، ومنعوه من النجاح في تشكيل الائتلاف الحكومي. وأكبر مثال أفيغدور ليبرمان، سبق نتنياهو أن عامله باحتقار مرتين، حين كان وزيرًا للخارجية واخذ منه نتنياهو وزارة الخارجية وأضافها إلى صلاحياته وتركه معلّقًا، والمرة الثانية حين أخذ وزارة الجيش وتركه معلّقًا، وها قد جاء وقت الانتقام!

أمَّا ترامب فالهلع والارتباك وفقدان العقل يذهب به إلى هاوية الجحيم، والموقف الفلسطيني أصبح هو نقطة الارتكاز، وموقف الرئيس أبو مازن هو الموقف المحوري، لأنّ الوضع معقد جدًا، وما يدّعيه نتياهو ليس سوى ادعاءات وأكاذيب، فالقدس محتلة بقوة الحديد والنار منذ عام 1967، فما الجديد سوى أوهام ترامب وألاعيب نتنياهو؟ والسجون الإسرائيلية طافحة بالفلسطينيين دائمًا، والقتل اليومي مستمر، والمجموعات الإرهابية اليهودية في تزايد، والقوانين العنصرية تتلاحق، لا جديد، لأن الشعب الفلسطيني وعلى رأسه قيادته يقاوم، ويجيد الاعلان والدفاع عن كل حقوقه، وهذه الحقوق الفلسطينية أصبحت من مسلمات النظام الدولي، وكلما نظر الإسرائيليون وراءهم وجدوا هذا الشعب الفلسطيني يلاحقهم، وأنهم ما زالوا في بؤرة الخطر وفي مرمى النيران.

إذًا هذه الموجة من الاتهامات، ومن التشويه، ومن التحريض التي تقوم بها (إسرائيل ضد شعبنا وقيادتنا لم تتعدَّ حدود التوقعات الفلسطينية، بل إنَّني أتحدّى إن كان نتياهو أو أحد غيره في قيادة الليكود يعرفون حقيقة الأوضاع في (إسرائيل) نفسها، بقدر ما يعرفها رأس شرعيتنا الوطنية الرئيس أبو مازن، فماذا نتوقع؟ هل نتوقع أن ينهال الإسرائيليون بالقُبَل علينا؟ وحتى لو أرادوا أن يفعلوا ذلك فهل هم مؤهّلون؟

والأمر نفسه ينطبق على إدارة ترامب، هي تصفق لنفسها فقط، تصفق لنفسها على فشلها وقلة الهيبة والاحترام وفوضى النظام الدولي وتحويل كل العالم إلى خصوم، فهل نتوقع من هذا الرجل ترامب ومن صبيته أو عواجيز إدارته شيئًا مضيئًا؟ هذا مستحيل.

الصمود هو أن نعي ذلك بعمق، وأن ننحاز لكل درجة نجاح، وأن نملأ بإيجابية كل ذرة فراغ، وأن ننفذ مهماتنا الموكلة إلينا بكل استغراق، وأن نضع حالات السقوط العربي حولنا في حدودها الدنيا، وأن نقيّم ما بين أيدينا بالحكمة والحسم، وأن نثق إلى اقصى حد بأنفسنا، أين كنا وأين أصبحنا، كنا بلا اسم ولا عنوان وأصبحنا حقيقة الحقائق، وعلينا الآن أن نردع بحسم كل الأخطاء القابلة للردع، وأن نمضي إلى الأمل بكل ثقة.