خلقت مسألة "الموت الرحيم" منذ طرحِها قبل سنوات عديدة، هزة على المستوى الأخلاقي والإنساني وحتى الديني.

وكانت بلجيكا أول بلد يشرع رسمياً "قتل" المرضى رحمة بهم وتقصيراً من معاناتهم، بحسب الهدف الذي أعلن في حينه. إلا أن البلد الأوروبي، لم يكتف بإعطاء حرية الانتحار أو وضع حد للمعاناة للراشدين فقط، وها هو اليوم يشرع الموت الرحيم للأطفال، وسط جدل صاخب محلياً وعالمياً حول أخلاقية المسألة. فإذا كان الراشد يملك القدرة العقلية الكاملة والحرية للاختيار بين الموت أو الحياة، فالأمر يختلف بالنسبة للطفل.

المسألة الجدلية بدأت منذ أن أقر مجلس الشيوخ البلجيكي، في ديسمبر الماضي بأغلبية كبيرة التوسع في تطبيق "الموت الرحيم" على غير البالغين. ويقضي مشروع القانون بالسماح لمن هم دون الثامنة عشرة بالحق في تطبيق "الموت الرحيم" عليهم في ظروف معينة، إلا أن القانون كان يجب أن يقر أولاً من الغرفة الأولى بالبرلمان البلجيكي.

وها هو البرلمان البلجيكي يقره رسمياً وسط جدل مستمر. فمنذ يومين، أي الخميس الماضي، صوت أعضاء البرلمان البلجيكي بأغلبية 86 صوتا مقابل 44، على تشريع الموت الرحيم للأطفال تحت 18 سنة، دون تحديد سن أدنى، إذا طلب الطفل ذلك، وكان يعي خطورة قراره.

قصة جيسيكا ابنة الأربع سنوات

إلا أن طفلة خطفت الأضواء وسط كل ذلك الصخب. طفلة ولدت مصابة بتشوه خَلقي في القلب، كان مقدراً لها الموت لو أن هذا القانون كان مطبقاً في كندا.

جيسيكا سابا، طفلة في الرابعة من عمرها، ولدت بتشوه في القلب، أطلقت صرخة، من "طفل إلى ملك"، تطالبه عدم التوقيع على "قتل" الأطفال.

في الفيديو الذي نشر على اليوتيوب، تظهر جيسيكا بكامل صحتها، سعيدة تعزف على البيانو، بين ذراعي والدها. مشهد مؤثر، يكتمل عند تلاوة شهادة والدها، المتخصص في طب العائلة. تليها كلمات أمها التي اغرورقت عيناها بالدموع، وهي تتكلم عن اللحظات الأولى لولادة ابنتها.
بعدها يتوجه الأب الطبيب، بول سابا، مباشرة إلى ملك بلجيكا، راجياً إياه عدم التوقيع على مثل هذا القانون، محذراً بأن الأمر لن يقتصر على بلجيكا، بل سيمتد إلى كل أنحاء العالم، ليطال كل طفل أينما كان، كل طفل خلق مصاباً بتشوه. ويضيف بول "لو أن ابنتي جيسيكا ولدت في بلد يطبق مثل هذا القانون، لكانت ماتت منذ 4 سنوات".

ويورد ذلك الفيديو المؤثر، مشاهد للطفلة بعد ولادتها مباشرة، ومن اليوم الأول الذي انطلقت فيه مسيرة نضالها لحياة أفضل، لحياة سعيدة، بين أختها الكبرى وأخيها. لتكتمل الصورة، بكلمتين مقتضبتين لإخوتها. فلهذين الأخيرين، ما يقولانه بعفوية الأطفال وبراءتهم، معبرين عن سعادتهما، لوجود جيسيكا بينهما.