فلسطينُ بلدُ الخيرِ والثّمراتِ من كلِّ صِنفٍ ولونٍ وطعم. ولا يتّسعُ المجالُ لتعدادِ ما عوّدتْنا عليهِ أرضُنا من العطاءِ، لكنَّ للعلاقةِ بينَ الإنسانِ وشجرةِ الزّيتونِ حكايةً أخرى تختلفُ عن بقيّةِ الحكاياتِ التي تربطهُ مع المحاصيلِ الأخرى التي تملأُ الخوابي في بيوتِ القرى وتضيقُ بها مخازِنُها. فلا شيءَ يشبِهُ موسمَ الزّيتونِ أو ينافسُهُ في جمالِهِ ورونقِهِ وطقوسِهِ التي أصبحتْ جزءًا أصيلاً من ثقافةِ وتراثِ فلسطينَ.

 

فلسطينُ على موعدٍ يومَ غدٍ مع بدءِ الموسم الرسميِّ لقطافِ ثمرة الزيتون المباركةِ، ولا نبالغُ حين نقولُ إنَّ الشّهرَ القادمَ هو أيّامٌ متتاليةٌ من عُرْسٍ لا تنقطعُ أفراحهُ، يبدأ بجمعِ الثّمارِ وينتهي بتخزينِ الزّيتِ الذي لم يتردّدِ الخالقُ جلَّ شأنُهُ أنْ يشبّهَ نورَهُ بنورِ مصباحٍ وقودُهُ هذا الزّيتُ الذي يكادُ يضيءُ ولو لم تمسَسْهُ نار.. لكنّ تفاصيلَ الرّحلةِ من القطافِ إلى تخزينِ الزّيتِ هي السرُّ الذي يختزلُ قدسيّةَ العلاقةِ بينَ الفلسطينيِّ وشجرتِهِ المباركة.

 

نعرفُ جميعًا كم تحتاجُ شجرةُ الزّيتونِ من الجهدِ والعنايةِ والمواظبةِ على التّواصلِ معها حتى تُتَوّجَ عرفانَها وشكرَها للفلّاحِ بأجملِ أشكالِ العرفانِ والشّكرِ في منتصفِ تشرينَ، ونعرفُ كم أنَّ هذهِ الشجرةَ صبورةٌ تتحمّلُ المَحْلَ والبَردَ ولهيبَ الصّيفِ، لكنّها رغمَ ذلكَ تعرفُ كيفَ تضربُ جذورَها عميقًا في الأرضِ لتصبِحَ عصيّةً على الاقتلاعِ وخصمًا عنيدًا للموتِ. ولأنّها كذلكَ فهي صديقةُ الفلّاحِ ورفيقةُ عمرِهِ، تحملُ في عطرِ أوراقِها رائحةَ عَرَقِ أجدادِهِ الأوّلينَ، فلا نستغربُ لو عرفنا أنَّ الشجرةَ التي سنبدأُ جنيَ ثمارِها غدًا هي ذاتُ الشّجرةِ التي غرسَها أجدادُنا الكنعانيّونَ واستظلّت بها سيّدةُ الأرضِ المباركةِ مريمُ العذراءُ وهي تبحثُ عن مكانٍ آمنٍ لها ولولدِها كليمِ اللهِ عيسى عليهِ السلام، أو أنّها الشجرةُ ذاتُها التي أمَّ سيدنا محمدٍّ بجوارِها بالرّسلِ والأنبياءِ جميعًا في رحلتِهِ إلى السّماء من بوابتها الوحيدةِ -مدينةِ القدس.

 

شجرةُ الزيتونِ بقدرِ ما هي صديقُ الفلسطينيِّ ورفيقُ دربِ أجيالِهِ المتعاقبةِ فهي في نفسِ الوقتِ عدوُّ إسرائيلَ ومستوطنيها الطّارئينَ على هذهِ الأرضِ والعابرينَ فيها منَ المجهولِ إلى المجهولِ، فهم لا يعرفونَ أنّ لهذهِ الشّجرةِ جذورًا لا يُمكِنُ اقتلاعُها، تمامًا كما هي جذورُ الإنسانِ الفلسطينيِّ في أرضِ وطنِهِ عصيّةٌ على الاقتلاعِ.  

 

*موعدنا غدًا معَ قطافِ ثمارِ الزّيتونِ، ومعَ سماعِ همسِ أشجارِهِ في أذُنِ الفلّاحِ الفلسطينيِّ وهي تقول: ما أجملَ فلسطينَ ونحنُ فيها معًا.

 

١٤-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان