الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة

الأسير المُحرَّر جمال أبو محسن (6)

تُعرف الشاعرة الفلسطينية "نهى شحادة عودة" في المجتمع الأدبي العربي باسم "ياسمينة عكَّا"، أبصرت النور في مُخيّمات اللاجئين في لبنان ذات يوم مُندسٍّ بين أعوام ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أصولها إلى قرية شعب في قضاء عكّا بفلسطين.. هي ناشطة ومناضلة من أجل الحفاظ على الثقافة والذاكرة الفلسطينية وضمان توريثها لأجيال اللاجئين.. نشرت رواية واحدة وعددا من الدواوين الشعرية، وخصّت جريدة "الأيام نيوز" بمجموعة من القصاصات التي أودع فيها الأسرى المُحرّرون الفلسطينيون بعض ذكرياتهم في رحلة العذاب..

إن العدو الصهيوني لا يكتفي بتدمير حياة الأسير وحده بل يدمّر حياة عائلته أيضًا. كنتُ في الزنزانة مع رفقاء الأسر نستمع إلى "إذاعة إسرائيل"، وسمعتُ الخبر الصاعقة: "لقد تمّ هدم منزل المُخرّب جمال أبو محسن عقوبةً له على مشاركته في المقاومة والانتماء إلى حركة فتح التخريبية". وقبل هدم المنزل، قام العدو بإغلاقه وطرد أهلي منه، ولم يُجدِ التوجّه إلى المحاكم نفعًا فقد تمّ الهدم بعد عام من اعتقالي، وتشرّد أهلي وعانوا أعواما طويلة إلى أن استطاعوا بناء بيت آخر.
يوم سمعتُ خبر الهدم أصابني حزنٌ كبيرٌ، ليس من أجلي ولكن من أجل أهلي الذين تسبّبتُ في تشريدهم. وحاول الإخوة الأسرى أن يخفّفوا عني ويمدّوني بالقوة لاحتمال المُصاب الجلَل.. ولم تطمئن روحي إلى اليوم الذي زارني فيه أخي وأمّي، فقد كانت كلماتهم بلسمًا لجراح أعماقي، وما زالت كلمات أمي ترنّ في مسمعي: "البيت فداك يا ابني وفداء لفلسطين، نحن بخير يا أمي..".
إن ثِقل الأحكام على الأسرى الفلسطينيين تجعل أملهم في التحرّر أمرا مستحيلا، غير أن عمليات تبادل الأسرى توقظ فيهم حلما بعيدا ولكنه يبقى ممكنا. فالإفراج عن الجندي في جيش الاحتلال "جلعاد شاليط"، الذي كان أسيرا في غزّة منذ شهر جوان 2006، كان في إطار صفقة "وفاء الأحرار" لتبادل الأسرى في 18 أكتوبر 2011، وكان من نتائجها إطلاق سراح "شاليط" تحرير 1027 أسيرا فلسطينيًّا.
ورَد اسمي في عملية صفقة "وفاء الأحرار"، وقد التقيت في صباح 18 أكتوبر 2011 في ساحة النزهة داخل السجن، مع الأخ المناضل "مروان البرغوثي". وبعد أن تبادلنا التحية والسلام، نظر إليّ وقال: لن يطول مكوثك في السجن سنوات أخرى، وسيُفرج عنكم قريبا بإذن الله. وسأقوم بتسجيلك للماجستير لتكمل دراستك العليا".  قلت له: لم أتحرّر بعد، وأشعر بالقليل من الإحباط، وفوق هذا تطرح عليّ إكمال دراستي. قال: ستُنتهي دراستك، وستتحرر، وسترى ذلك بإذن الله. نحن نريد الثائر المُتعلّم، هذا الذي يخدم قضيتنا بشكل صحيح وسليم".
كلماته أحدثت أثرًا جميلا في قلبي، وبالفعل بدأت بالدراسة وكتابة الأبحاث.. وقد كان الأخ "مروان" يعقد المحاضرات في ساحة النزهة وبشكل سري. ومرّ عامٌ وتلاه عامٌ آخر، وأنهيت دراستي.. ثم صدر قرار الإفراج عني.
قال لي الأخ "مروان": "أرأيت؟ لقد أنهيت دراستك وتحرَّرت وأنت الآن تحمل ثلاث شهادات علمية". ومن كلماته التي لن أنساها أبدًا: "نحن لا نمتلك إلا سلاح العلم وبه ننتصر، نحن بحاجه إلى الثائر المثقف والواعي الذي يعلم تماما من أين يخدم قضيته".