السلام رؤية عميقة واسعة نحو المستقبل، بينما المفاوضات ترجمة حرفية ضيقة للحظة الراهنة! وبما ان اسرائيل بعد اغتيال اسحق رابين في نهاية العام 1995، فقدت القدرة على انتاج قيادات نوعية تمتلك شجاعة الرؤى نحو السلام الشامل والدائم، فانها ظلت منكفئة داخل اللحظة الاشكالية نفسها تنتقل مع الفلسطينيين، مع الشعب الفلسطيني عبر ممثله الشرعي والوحيد، من جولة الى اخرى من جولات المفاوضات، محكومة ومتشبثة بمعطيات هذه اللحظة الراهنة، وهذه اللحظة الراهنة بمافيها من اختلال مؤقت في موازين القوى لصالح الاحتلال الاسرائيلي، فان من يحكمون اسرائيل الآن يتوهمون ان السلام لا قيمة له، وان امنهم الموهوم هو الافضل وهو الاولوية الوحيدة، وان التعالي على الحقوق الفلسطينية والاستهتار بها الى حد الهستيرية هو الممكن الوحيد الآن، وليس هناك بديل آخر.
بالنسبة للمعادلة الراهنة، فان اسرائيل في ظل هذا النوع من القيادة المسيطرة الآن –ائتلاف اليمين الديني والعلماني وشهوة العربدة التي يمثلها الاستيطان الذي لا يستند ولن يحصل على اي نوع من الشرعية –تبدو هي الاقوى، هي الرابحة، هي المتحكمة في سير المفاوضضات، وبطبيعة الحال فان المفاوضات في كل مرة تقترب شيئا فشيئا من الاصطدام المروع بجدار خطير اسمه الفشل.
اقول ذلك، وقد احتفلنا كفلسطينيين قبل ايام بالذكرى الاولى لانتصار كبير حققناه في الجمعية العامة للامم المتحدة في يوم التاسع والعشرين من العام الماضي، وهو قرار تصعيد فلسطين الى دولة مراقب في الامم المتحدة دولة تحت الاحتلال في حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية (القدس الشريف)، هذه هي رؤية العالم، وهذا هو افق السلام الشامل، وضد هذه الرؤية وهذا الافق، ذهبت اسرائيل بقيادة نتنياهو الى مفاوضات لا تريدها ولا تؤمن بها اصلا، اي ان اسرائيل تذهب الى المفاوضات خوفا من الذهاب الى السلام! معادلة شاذة ومعقدة دون شك، ونحن الشعب الفلسطيني ليس لنا في هذه المفاوضات سوى ثوابتنا! وهذه الثوابت اصبحت مسلمات دارجة في الخطاب السياسي الدولي وفي منطوق قرارات الشرعية الدولية.
وهذا هو معنى قرار الجمعية العامة الذي حصلنا عليه في نهاية العام الماضي باغلبية 138 صوتا، واسرائيل تهرب من ذلك الى المفاوضات التي لا تريدها ولا تؤمن بها، لان المفاوضات محدودة في الحضور وفي الاليات، على مستوى الحضور نبقى نحن واسرائيل وجها لوجه في حضور الرعاية الاميركية المنحازة اصلا لاسرائيل، ولذلك تهرب اسرائيل الى المفاوضات في حدود هذه المعادلة بينما في افق السلام فان العالم كله معنا، والتاريخ يمضي قدما لصالح حقوقنا المشروعة والقيادة الحالية الاسرائيلية – رغم ادعائاتها –ليس بمستوى شجاعة السلام، ولذلك فهي تختبيء فقط وراء عناصر اللحظة الراهنة ! فماذا لو انكسرت عناصر هذه اللحظة الراهنة التي يتشبث بها نتنياهو حين يقف هو وحكومته وبرامجه السياسية وراء قطعان المستوطنين؟
برغم كل الصعوبات، برغم هذا السلوك الاسرائيلي الشاذ والمتطرف والاعمى، برغم هذا الاستفزاز الاسرائيلي المستمر على مدار اليوم والساعة والدقيقة، فاننا فلسطينيا نكسب، ونجذر هذا المكسب من خلال مشروعية وفعالية حضورنا، ومن خلال وحدة قضيتنا، ومن خلال التأكيد على ان الحقيقة الفلسطينية ليست تحت سيطرة احد، بل هي تنتج نفسها من خلال حيوية شعبها الذي حين تتاح له الفرصة ينتشر وحين يضغط عليه اكثر ينفجر، وفي كلتا الحالتين يبقى هو العنصر الحي والمفاجئ والمتجدد في المعادلة !!! فتعالوا ننظر الى انفسنا لنكون اقوى، وننظر الى خيار السلام الذي يشترك معنا فيه الجميع باستثناء القيادة الاسرائيلية الحالية، التي لا تمتلك رغم كل العربدة رؤية للسلام ولا تمتلك ضمانة للمستقبل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها