إذا غَلبَ الجَميع الفلسطيني المصلحة الوطنية، ولاحظ مدى المخاطر المُحَدِقة بالشَعب والقضية، لكانوا اختاروا دون تَردد المُشاركة في دورة المجلس الوطني القادمة. هذه الدورة إذا ما تعاملنا بمسؤولية وطنية، فإنها ستشكل فُرصة لإعادة بناء الوحدة وطنية على أمتن الأسس وأسلمها، ونقطة تحول لإصلاح المُنظمة وتفعيلها، وتفعيل النظام السياسي الفلسطيني بِرُمته.

اليوم، الوحدة الوطنية ليست خياراً أو ترفاً سياسياً، وإنما ضرورة، ومسألة حياة أو موت بالنسبة لشعبنا في مرحلة هي بالفعل من أخطر المراحل. الوحدة هي أولوية الأولويات، لأن وجودنا كَشعب على المحك في زمن نُلاحظ به تَفكُك شعوب المنطقة واختفاءها، وفي زمن تعتقد فيه اسرائيل بأن لديها فُرصة للإجهاز علينا.

المُتتبع لتاريخ القضية الفلسطينية، يُلاحظ ببساطة أن التشرذُم والانقسامات وغياب الوحدة في إطار مشروع وطني، كان أحد أهم الأسباب التي أدت لنكبة عام 1948 بشكلها المُفجِع.

في تلك المرحلة أضاع الفلسطينيون جُهداً ووقتاً في تبادل الاتهامات والمناكفات، والتمترس خلف مصالح فئوية ضيقة، وعندما ضاعت فلسطين ضاع الجميع دون تمييز.

وأجد ضرورة للتذكير بجوهر المشروع الصهيوني، هذا الجوهر القائم على نفي وجود الشعب الفلسطيني، هذا النفي الذي تبناه وعد بلفور عندما تعامل معنا على أساس أنه مجموعة طوائف دينية، او سكان محليون لا حقوق سياسية لهم في وطنهم، لذلك علينا التَنبُه، بأن أهم الماكينات الصهيونية، وماكينات داعميهم والمتواطئين معهم، كانت تعمل ولا تزال على شق وحدة الشعب الفلسطيني، وإظهاره كجماعات متناحرة لا يُمكن جمعها، وبالتالي فإنهم ليسوا شعبا له حق في تقرير المصير.

لذلك لم يكُن غريباً أن تكون الوحدة الوطنية أحدى الركائز الأساسية التي أسست فتح نفسها على اساسها، فهي حركة الشعب الفلسطيني الوطنية، هدفها هو توحيد الشعب وشد كل طائفة نحو تحقيق أهدافه الوطنية، ونلاحظ هُنا أنه بالفعل لم تتحقق الوحدة بشكلها ومضمونها الوطني إلا عندما أصبح ياسر عرفات قائد فتح، رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

فهذه المنظمة تحولت الى مُمثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وضمت فصائل العمل الوطني كافة.

مرحلة جديدة، بما يتعلق بموضوع الوحدة الوطنية، بدأت مع تأسيس حماس في العام 1988 وبدرجة متفاوتة عندما تأسست حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات.

حماس تأسست انطلاقاً من هوية مُختلفة، هوية اسلاموية، باعتبارها جُزءا من جماعة الإخوان المُسلمين، لذلك لم يحمل اسمها أي دليل على انها حركة فلسطينية كباقي فصائل مُنظمة التحرير، فهي "حركة المقاومة الإسلامية".

اختلاف هوية حماس هو السبب الرئيسي الذي جعلها ترفض كل دعوات الانضمام للمنظمة وليس شيء آخر.

ولإخفاء طبيعتها المُختلفة عن فصائل المُنظمة اختبأت حماس وراء شعار "المقاومة" ولا تزال تختبئ، كي لا يُلاحظ المواطن الفلسطيني والعربي، بأنها فصيل إخواني وليس فلسطينيا، وانها تعمل لمصلحة أهداف جماعة الإخوان المسلمين وحليفهم الإقليمي، وأن مقاومتها هي في خدمتهم وأن اشتبكت مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.

على أية حال- هُناك فرصة اليوم لحماس وغيرها لإثبات انها جزء من الحالة الوطنية الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني، هُناك فرصة لتحقيق الوحدة الوطنية من خلال المشاركة في جلسة المجلس الوطني، فإذا كُنا وطنيين فلسطينيين ايجابيين، علينا أن نُفعل من داخل المنظمة لا من خارجها، لأن الخارج يزيد انشقاقاً وانقساماً، المنظمة تتسع للجميع، ومنها ومن خلالها يُمكن أن نكون مؤثرين، فالتاريخ يقول لنا إن قرارات المُنظمة والمجالس الوطنية في اللحظات المصيرية كانت توافُقية، وأن أصغر الفصائل كان لها بصمة وتأثير في القرار.

استمرار الانقسام هو امر مرفوض، وهو بمثابة هدية للاحتلال الاسرائيلي، ليُغلق الفصل الأخير من القضية الفلسطينية، والسؤال اليوم، إما أن نكون أو لا نكون؟ ومن سيتحمل مسؤولية أن لا نكون؟.