النخبة السياسية للشعب في مرحلة التحرر الوطني ليس من يتبوءون مناصب سياسية حكومية أو مدنية بل من يناضلون ضد الاحتلال فيستشهِدون أو يؤسَرون.
لأن فلسطين ما زالت تحت الاحتلال الصهيوني وبالتالي الشعب الفلسطيني في مرحلة التحرر الوطني فقد فشلت كل المحاولات لتغيير طبيعة الصراع وخصوصية الحالة من خلال إقحام مفردات ومفاهيم سياسية مستوردة من القاموس السياسي الخاص بتوصيف عالم السياسة في الدول المستقلة كالسلطة والحكومة والمجلس التشريعي والنخبة السياسية الخ.
استمرار احتلال الضفة وتعاظم مشاريع الاستيطان فيها، التضييق على عمل السلطة الوطنية ومحاولة إسرائيل لتفريغها من مضمونها ومهمتها الوطنية، واستمرار إسرائيل بمطاردة وقتل واعتقال كل من يقاوم الاحتلال حتى في نطاق الدفاع عن النفس، استمرار احتلال قطاع غزة وحصاره وموجات العدوان المتكررة عليه، واستمرار المحاولات المستميتة من أهلنا في الضفة في مقاومة الاحتلال بالمستطاع والممكن من الوسائل كالطعن بسكين أو دهس بسيارة أو رشق المستوطنين بالحجارة، واستمرار نصف شعبنا في بلاد الغربة والشتات،كلها تؤكد أننا ما زلنا تحت الاحتلال بالرغم من وجود سلطتين وحكومتين في الضفة وغزة.
وتأتي قضية الأسرى في سجون الاحتلال وقيامهم بالإضراب عن الطعام وحالة التأييد والتضامن الشعبي والعالمي مع قضيتهم لتؤكد أن إسرائيل دولة احتلال وإرهاب وأن الشعب الفلسطيني ما زال وفيا لقضيته الوطنية .وجود هذا العدد الكبير من الأسرى والمعتقلين على خلفية مقاومة الاحتلال، من كل الأعمار بما فيهم أطفال ونساء وبعضهم محكوم بعدة مؤبدات، كل ذلك لم يردع شعبنا عن ممارسة حقه في المقاومة حيث لا يمر يوم إلا ونسمع عن عملية فدائية ضد المستوطنين وقوات الاحتلال في القدس وبقية مناطق الضفة المحتلة، وحيث تكون مقاومة لا بد أن يسقط شهداء ويتزايد عدد الأسرى والمعتقلين .
إذا وضعنا قضية الأسرى في السياق السياسي الحقيقي للحالة الفلسطينية فإن الأسرى الفلسطينيين سواء من كان داخل السجون أو تم إطلاق سراحهم هم أشرفُنا وأشرافُنا وتاج على رؤوسنا، و يستحقون بجدارة أن يكونوا نخبة الشعب الفلسطيني وقادته الحقيقيين.
الأسرى في سجون الاحتلال يستحقون منا كل دعم وإسناد، وبالرغم من استمرار القيادة الفلسطينية في تقديم الدعم للأسرى وأسرهم أثناء اعتقالهم أو بعد إطلاق سراحهم، كما هي ملتزمة بدفع رواتب ومساعدات لأسر الشهداء، وبالرغم من تخصيص يوم كيوم الأسير واستمرار حملات التضامن مع الأسرى، إلا أن الجميع ما زال مقصرا في نصرة قضية الأسرى، وخصوصا على مستوى الحراك الدولي وفي المنظمات الدولية لتبني التوصيف الحقيقي لهؤلاء الأسرى بأنهم مناضلون من أجل الحرية وعلى دولة الاحتلال أن تعاملهم على هذا الأساس.
بعيدا عن المناكفات السياسية وبالرغم من كل المآخذ من البعض على السلطة والقيادة الفلسطينية، إلا أنه يُحسب للقيادة استمرارها بدفع الأموال للأسرى وعائلاتهم أيضا لعائلات الشهداء، بالرغم من التهديدات الإسرائيلية والأمريكية للقيادة الفلسطينية لوقف هذه التحويلات باعتبارها من وجهة نظرهم دعما للإرهاب .
إن هدف حكومة نتنياهو من الضغط على القيادة الفلسطينية وعلى أطراف دولية لوقف دعم الأسرى وأُسر الشهداء هو تشويه عدالة القضية التي ناضل من أجلها هؤلاء وإظهارهم كقتلة ومجرمين، كما حدث سابقا من تصنيف منظمة التحرير وحركات فلسطينية أخرى كجماعات إرهابية، وكما جرى أخيرا من وضع إسرائيل للصندوق القومي الفلسطيني على قائمة الإرهاب.
إن التزامنا ودعمنا لقضية الأسرى لا يؤسَس على اعتبارات إنسانية وعاطفية فقط بل مُستمد بالأساس من واجب وطني، فهؤلاء الأسرى لم يتم اعتقالهم على خلفية أعمال تهدف لتحقيق مصالح شخصية لهم بل لأنهم قاموا بأعمال وطنية دفاعنا عن الحق الفلسطيني وبالتالي دفاعا عنا جميعا، إنهم قاموا بأعمال مشرفة كان وما زال يجب أن يقوم بها كل واحد منا.
الأسرى في سجون الاحتلال لا ينتظرون من خلال إضرابهم عن الطعام ومن حملات التضامن معهم أن تؤدي إلى إطلاق سراحهم بل يريدون توصيل رسالة أنهم مناضلون من أجل الحرية وعلى دولة الاحتلال أن تعاملهم على هذا الأساس من خلال تطبيق الاتفاقات الدولية الخاصة بأسرى الحرب وبالمناضلين من أجل الحرية، كما أن الأسرى وبالرغم من توقهم للحرية إلا أنهم لا يطالبون أو ينتظرون تبييض السجون الإسرائيلية كما يردد بعض السياسيين، لأنهم يدركون أنه مطلب غير واقعي، لأننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني وحيث يكون الاحتلال تكون المقاومة وما يترتب عليها من سقوط شهداء واعتقالات، فتبييض السجون سيكون مطلبا واقعيا عندما ننال استقلالنا الوطني الكامل بنهاية الصراع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها