عاش مخيَّم عين الحلوة بكلِّ أحيائه وأهله وقواه السياسية والشعبية، ومعهم الجوار اللبناني، ساعاتٍ حالكةً تحفُّها المخاطر والمشاعر المختلطة على إثر الجريمة المُتعمَّدة التي ارتكبها المدعو بلال بدر ومجموعته حيثُ أطلقوا النار عمداً على مجموعة من القوة المشتركة المعنية بحفظ الأمن في المخيَّم والمُشكَّلة من عناصر تنتمي إلى الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وحصيلة الجريمة شهيد وقرابة عشرة جرحى، والحصلية برمتها كانت من خلال إبطال وتعطيل قرار الكل الفلسطيني على أيدي مجموعة خارجة عن الإجماع الفلسطيني، وأيديها ملطَّخة بدماء الأبرياء والمناضلين والشرفاء .
الفصائل الفلسطينية برمتها تحدَّثت إعلامياً بلغةٍ واحدة، وعقدت عدة اجتماعات كان آخرها اليوم الثلاثاء ظهراً في صيدا، وجاء الاجتماع الفصائلي في ظل حالة من الاحتقان الشديد، والغضب الأشد، والإصرار الجاد على الانتقام من أجل استعادة الهيبة الوطنية الفلسطينية، ووضع حدٍّ لهذه المسرحية المرعبة متواصلة العرض منذ سنوات وقوامها الاغتيالات، والدماء، وإثارة الرعب والخوف لدى عامّة أهالي المخيَّم، أي أبناء هذا المخيم منذ العام 1949.
القوة المشتركة ومعها مجموعات من الأمن الوطني انتشروا في المنطقة المحيطة بحي الطيرة حيث تتمترس مجموعة بلال بدر، وهناك من دخل هذا الحي بحثاً عن القتلَة من أجل اعتقالهم، وتنفيذ قرار الفصائل الذي تمَّ أخذه باعتبار هذه المجموعة مطلوبٌ مطاردتُها واعتقال أعضائها وتسليمهم للعدالة، وإطلاق النار عليهم إذا رفضوا الانصياع لقرار الإجماع الفلسطيني .
الجميع، خاصةً القوة المشتركة، وقوات الأمن الوطني كانوا بانتظار التعليمات لتنظيف المنطقة، وتعقُّب القتلة، وفرض الأمن والاستقرار، إلَّا أنَّ القرار الحاسم لم يصدُر، وكانت هناك وساطات من بعض الجهات الإسلامية طلبت المهلة إثر المهلة لإقناع بلال بدر بتنفيذ القرارات أو الاختفاء عن الأنظار، وهذه الوساطات فشلت إلاَّ أنَّها أعطت فرصةً لبدر ومجموعته بتعزيز وضعهم، وإجهاض مضمون القرار الذي أخذته الفصائل، وهذا ما أضعفَ الموقف الفلسطيني وجعله في إطار ردة الفعل وليس الفعل والتأثير.
لا بدَّ من وقفة موضوعية تفصيلية لمضمون البيان الذي صدر اليوم عن قيادة الفصائل في 11-4-2017
في البند الأول هناك تأكيد على "تفكيك حالة بلال بدر وإنهائها"، وهذه الخطوة الجيدة ليس لها قواعد ترتكز عليها، فلم يذكر المجتمعون ما هي آلية تفكيك هذه الحالة الشاذة؟ ولم يُحدَّد الموقف المطلوب لتفكيكها؟، ولم تُشكَّل قوة لتفكيك هذه الحالة؟ ولم يُطلَب ذلك من تنظيم أو تنظيمات معيَّنة كي تقوم بهذا الدور، لأنَّ عملية التفكيك تحتاج إلى أدوات ووسائل ضاغطة وقادرة على حسم الموضوع، لأن مصلحة المخيَّم أولاً وقبل كل شيء.
في البند الثاني أقَّر المجتمعون دخول القوة المشتركة إلى حي الطيرة، إضافةً إلى التموضع في كل أنحاء المخيَّم. لكن للأسف لم يتم إعداد القوة المطلوبة، ولم يُحدَّد الوقت الذي ستدخل فيه القوة؟ كما أنَّه لم يحدَّد دور الفصائل الموجودة في الأحياء المجاورة لحي الطيرة؟ وبالتالي ما هي حقيقة وضع حي الطيرة الذي أخلاه أصحابه، وهل ما زال بلال بدر ومجموعته داخل الحي أم لا؟
هذه أمور تحتاج إلى قرار حاسم وصارم لا تردُّد فيه، وأن تنخرط كافة الفصائل عمليـاً وميدانياً في هذه العملية دون تردد.
أمَّا إذا تحدَّثنا عن الشق الثاني وهو "الانتشار والتموضع في كل المخيّم وِفق مقتضيات الحاجة لحماية سكان الحي وممتلكاتهم"، فهذه النقطة غامضة وغير واقعية، وليست لها أرضية عملية، فهل نحن فعلاً قادرون على الانتشار والتموضع في كلِّ المخيم؟ وما هي مصادر القوة التي سيتم استخدمها لتنفيذ الانتشار عملياً في الأحياء الأخرى التي لا يستطيع أي كادر أو ضابط من الحركة الدخول إليها؟، وهل الفصائل التي وقَّعت لديها النية والقناعة السياسية للمشاركة في الانتشار في العديد من الأحياء المقفلة والتي لا نعرف ماذا يجري داخلها، وموضوعها معقَّد. إنَّ مثل هذه العبارات والتأكيدات لا أساس لها من الواقعية وغير ممكنة، فإذا كنا لم نستطع الانتشار في حي الطيرة نظراً لواقع الفصائل فهل سنتمكَّن من الانتشار في باقي الأحياء؟ لذلك البيان تضمَّن عبارات هوائية وليست واقعية، وليس هذا هو المطلوب.
جـ - تؤكد "القيادة السياسية أنَّ الفار بلال بدر عنصر مطارد ومطلوب للقوة الفلسطينية المشتركة، ومطلوب اعتقاله".
صحيح هو فارٌّ ومطارَد، ولكن مَن الذي يطارده عملياً؟ وإذا كانت كل الفصائل الوطنية والإسلامية مقتنعة بما قرَّرت، أَلا تستطيع وضع الخطة المحكمة لاعتقاله، وهي تمتلك المئات من العناصر المسلَّحة، وهو ما زال يتحرَّك بحرية في منطقته، وأهالي المخيَّم تركوا بيوتهم لإخلاء الساحة للفصائل كي تُنفِّذ القرارات.
د- تشير النقطة الخامسة إلى أنَّ القيادة السياسية الفلسطينية "تتعهّد مجتمعة بأنَّها لن تسمح بأن يُعبَث مجدداً بأمن مخيَّم عين الحلوة وكل المخيمات الفلسطينية الأخرى."
إنَّها تعهدات كبيرة وثقيلة ومعنوية أكثر منها عملية وميدانية، وهي تُطرِب الآذان، لكن هذه التعهدات تحتاج لخطط واضحة وواقعية تأتي ضمن برنامج متكامل يتضمَّن تحديد الأدوات، والأساليب، والخطوات المُبرمَجة. أمَّا طرح الشعارات الفخمة بهذه الطريقة بعيداً عن إمكانية التنفيذ فلا يُسمن ولا يغني من جوع.
هـ- إنَّ دعوة الجماهير والأهل الذين نزحوا من مخيَّم عين الحلوة للعودة، هذه الدعوة يتمنّاها الجميع، لكن هل الأجواء في أحياء المخيّم تساعد على ذلك؟ وخاصة حي الطيرة فهل تمَّ تطهيره من كل ما يشكل خطراً على حياة الناس؟ وكيف نستطيع التوفيق بين اعتبار بلال بدر مطلوباً، وفارّاً، ومطلوباً اغتياله، و- المفروض أيضاً إطلاق النار عليه- وبين دعوة الأهالي للعودة إلى هذا الحي الذي لا تسيطر عليه القوة المشتركة حتى مساء اليوم.
إنَّ الوعد بأنَّ القيادة السياسية الفلسطينية ستعمل على معالجة آثار وتداعيات الأحداث الأخيرة المؤسفة هو من أهم القضايا المستعجلة لأنَّه يساعد في الاستقرار الاجتماعي والأمني، وهذا الأمر على ثقله وتكاليفه الباهظة يتحمَّل الكل مسؤولياته في المعالجة.
إنَّ الأيام التي مضت أكدت أنَّ هناك فرصاً ثمينة كان ممكن استثمارها والاعتماد عليها في مواجهة المخاطر، وتحقيق إنجازات ميدانية، والقضاء على ظاهرة باتت تشكِّل خطراً حقيقياً على المخيّم وأهله، ولكننا لم ننجح، خاصةً أنَّ الأطراف اللبنانية كافةً دعمت وساندت موقف القيادة السياسية في لبنان، وأنَّ الشعب اللبناني تحمَّل الأضرار والتشظيات وتداعيات أحداث عين الحلوة.
ما سبق يدعو إلى مراجعة موضوعية نقدية سريعة لمواقفنا السابقة، وإعادة وضع النقاط على الحروف بشكلٍ فيه دقة أكبر، وأشمل، وجدية أكثر.
رحم الله الشهداء، وأسكنهم الفسيح من جنانه، وشفى الله الجرحى، ومنحهم الصحة والعافية، وأعطانا الله سبحانه القوة لنكون أكثر صلابةً، ووضوحاً، وتفاعلاً مع قضايا شعبنا المكافح والصّابر.
وإنَّها لثورة حتى النّصر
الحاج رفعت شناعة
2017-4-11
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها