تفاءل العالم خيرا بتولي السيد انطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة مهامه مؤخرا. لاسيما وان الرجل وعد بادخال إصلاحات في المؤسسة الأممية الأولى في العالم، بهدف تطويرها، ومواكبتها التطورات الجارية في العالم بسرعة وحيوية أكبر. لكن على ما يبدو ان التفاؤل ليس في محله. لإن من يريد الإصلاح والنهوض بالمنظمة الدولية، لا يتجاوز ميثاق وقرارات وقوانين الأمم المتحدة نفسها, ويكون أكثر حكمة وشجاعة في إتخاذ المواقف السياسية، ولا يتبرع بإطلاق الإحكام كيفما كان وحسب الأهواء والمصالح النفعية الضيقة.

أنطونيو غزتيريس إرتكب خطيئة واضحة وصريحة ضد السلام والتسوية السياسية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، عندما زعم يوم أمس في لقاء مع "صوت إسرائيل" باللغة العبرية، "انه يؤمن بالصلة بين القدس واليهود". وإدعى الأمين العام بما يخالف قرارات منظمة اليونيسكو والتاريخ والوقائع ، أنه واضح كوضوح الشمس من وجهة نظره المجانبة للصواب والحقائق، بأن "الهيكل المقدس في القدس، الذي قام الرومان بهدمه، كان هيكلا يهودياً".  بذلك أوقع الأمين الجديد نفسه في شرك سياسته غير المتزنة، لإن أمر القدس والصراع الدموي الفلسطيني الإسرائيلي منذ ما يقرب من السبعين عاما، لا تحكمه الأراء الشخصية، فرأيك الشخصي، هو لك وحدك، وليس رأياً ملزما للأمم المتحدة ولا لدول العالم. ولا يجوز لك كأمين عام توريط المنظمة الأممية بمواقف، هي بغنى عنها، لا تتوافق مع شرائعها وقوانينها وقراراتها. وبالتالي ليس من حقك الوقوع في الخطيئة بمداهنة إسرائيل لإعتبارات يسهل على اي مراقب معرفتها. لإن ما ذكرته، لا يتوافق مع التاريخ ولا مع المعطيات الماثلة في الواقع.

القدس ايها السيد أنطونيو، وكل فلسطين من البحر إلى النهر، إن كنت معنياً بالتاريخ، وحريصا عليه، هي ارض الشعب العربي الفلسطيني وتاريخها تاريخه. وإقامة إسرائيل على اساس قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في نوفمبر 1947، وقبول الشعب العربي الفلسطيني بالسلام وخيار حل الدولتين على اساس حدود الرابع من حزيران عام 1967، لا يعني بحال من الأحوال تغيير تاريخ فلسطين. فالقدس عربية فلسطينية، وتخص اتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية دون اليهودية. ولكن هذا لا يحول دون زيارتها من اتباع الديانة اليهودية. وما يسمى حائط "المبكى" ليس سوى حائط البراق. ولا يوجد، ولم يوجد أي هيكل للنبي سليمان في فلسطين. وللإسرائيليين قرابة القرن وهم يحفرون في طول البلاد وعرضها بعد إحتلالها بالكامل في حزيران 1967 ولم يجدوا شيئا يمت للديانة اليهودية بصلة في فلسطين كلها وليس في القدس فقط. إذا على اي اساس تتبرع بإطلاق مواقف غير صائبة، ولا تمت للحقيقة بصلة؟ ما هي مصلحتك بذلك؟ وهل تخدم عملية السلام ام تربكها وتهددها ؟ فضلا عن ذلك تطلق مواقف غير مسؤولة، مثل  أنك "لا تنوي إتخاذ زمام المبادرة في اي عملية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين"؟  لماذا؟ وما هو دورك كأمين عام للأمم المتحدة؟ وهل انت الولايات المتحدة ام تنطق بلسانها؟ والآ يعني ذلك التواطؤ مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية منحها الضوء الأخضر لمواصلة الإستيطان الإستعماري؟ وهل هذا هو الإصلاح الذي تريد ان تدخله على المؤسسة الأممية؟

 الخطيئة الكبرى، التي وقع فيها الأمين العام الجديد تجاه مسألة القدس الفلسطينية العربية (الإسلامية المسيحية والإنسانية)، تحتم عليه الإعتذار عنها فورا للشعب العربي الفلسطيني وقيادته، وتصويب ذلك بإعلان موقف واضح وصريح ومباشر ينسجم مع قرارات منظمة العلوم والتربية والثقافة التابعة للأمم المتحدة "اليونيسكو"، التي أصدرت في تشرين أول (إكتوبر) الماضي قرارين بهذا الصدد، وعدم إطلاق اية تصريحات خاصة بك. انت منذ توليت مهمتك كأمين عام للأمم المتحدة، لا تمثل نفسك. أنت تمثل المنظمة الأممية كلها بشعوبها ودولها وقراراتها ومواثيقها وشرائعها. وبالتالي لست مخولا بالتصريح بما يجول بخاطرك او أهواءك و أهواء من تداهنهم من الدول المارقة وخاصة إسرائيل وحليفتها أميركا. فهل تملك الشجاعة وتعترف بذلك لتصويب الخطيئة الفضيحة؟