في حلقات خمسة نعرض لحياة ومسيرة الأسطورة الفلسطيني من قيادات حركة فتح أبوحسن سلامة.

أبو حسن (علي حسن سلامة) هو بطل من أبطال فلسطين وأسطورة تحدي لا نظير لها للموساد الاسرائيلي ، هو فارس من فرسان الفتح المبين الذين مزجوا بين الجرأة المفرطة ووثبة الفهد والجسارة مع الإيمان بالشهادة، والانفتاح وعشق الوطن وهدوء النفس.

أبو حسن سلامة القائد الفلسطيني الشاب الذي عاش فترة عنفوان الثورة الفلسطينية في لبنان (حقبة السبعينات من القرن العشرين) امتاز بالذكاء الشديد والشجاعة والإقدام، والكرم مع رجاله، وكان فذّا في بناء العلاقات الاجتماعية مع المتفقين والمختلفين فنوّع في مستويات علاقاته (وبالتالي في مصادر معلوماته الأمنية كرجل أمن) فلم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدتها إلى اللبنانيين والأجانب ومنهم أوعبرهم تم فتح العلاقات مع أنصار فلسطين في أمريكا وتحديدا في الإدارة الأمريكية.

وفي الحلقة الاولى تعرضنا للبدايات للرجل وامتدادا لأبيه المناضل الكبير، وفي الثانية ننتقل الى جهاز ال17 والخروج من الاردن والعمليات الخارجية ضد الاسرائيلي، اما بالثالثة فسنتعرض لعملية ميونخ، وعلاقات أبوحسن سلامة الامريكية

عملية ميونخ

كثيرا ما يربط بين الشهيد أبو حسن سلامة وعملية ميونخ[1] الشهيرة عام (1972) إلا أن الحقيقة تشير أنه لم يكن من قام بها باعتراف أبو داوود في كتابه الضخم (من القدس إلى ميونخ)[2]، وبإقرار محمود الناطور في كتابه (حركة فتح ين المقاومة و الاغتيالات).

جاءت هذه العملية ردا على عمليات الاغتيال الصهيوني خاصة بعد استشهاد الأديب غسان كنفاني بشهرين، وإثر المحاولتين الفاشلتين لاغتيال بسام أبو شريف (القائد في الجبهة الشعبية) وأنيس الصايغ، كما جاءت ثانيا للرد على قصف قواعد الفدائيين في لبنان، وجاءت ثالثا للفت انتباه العالم (خاصة الرياضي) للقضية الفلسطينية.

في تفاصيل العملية التي هدفت لمبادلة الرياضيين الإسرائيليين ال11 بالأسرى الفلسطينيين والعرب و الأجانب قام صلاح خلف (أبو اياد) ذاته بنقل السلاح إلى ألمانيا وقام أبو داوود بقيادة العملية بينما كان يوسف نزال هو مسؤول المجموعة المنفذة من 8 أعضاء الذين دخلوا مقر البعثة الرياضية الإسرائيلية في ميونخ واحتجزوا الرياضيين الاسرائيليين دون أن يمسوهم بأذى لأن الهدف لم يكن القتل أبدا.

في تفاصيل العملية[3] الكثير مما يمكن الإشارة له ودور المخابرات الاسرائيلية في إفشال عملية التبادل في ميونخ-ألمانيا ما أدى لمقتل الرياضيين و5 من الفدائيين الثمانية الذين قاموا بالعملية.

العلاقة مع الأمريكان

عرف أبو حسن سلامة بأنه بطل العمليات الخارجية المثيرة للجدل ضمن منظمة "أيلول الأسود" ، وعرف أيضا بقدرته الاستخبارية الكبيرة التي وقفت بالمرصاد لرجال الموساد في كل مكان ضمن حرب التصفيات الخفية المتبادلة  وعرف أيضا بعلاقاته الواسعة التي منها مع الأمريكان.

في العام 1973 عندما تشكل جهاز الـ17 الذي رئسه أبو حسن سلامة كانت المنطقة تعيش تفاعلات نصر حرب أكتوبر (رمضان) 1973 على العدو الصهيوني، وبداية الود المربك للساحة الثورية بين مصر وأمريكا (ثم مع "اسرائيل"الذي أدى لاتفاق "كامب ديفد" لاحقا) وهي ذات السنة التي أنهت فيها منظمة (أيلول الأسود) عملياتها القوية ضد المصالح الاسرائيلية لأنها حققت أهدافها ، كما بدأت في ذات الفترة تبرز بقوة فكرة الدولة الفلسطينية على أي شبر يتم تحريره (1973) وما تلاها من الخطاب الخالد لياسر عرفات في الأمم المتحدة (1974) في هذا الجو كان من التفكير العملي أن يفتح ياسر عرفات خطا من الاتصالات مع أمريكا، ومن له أفضل من محل ثقته غير أبو حسن الرجل المخلص والقادر على بناء العلاقات والرجل الخفي وهذا ما كان .

تشير بعض المصادر للقاء حصل بين ياسر عرفات ونائب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كما أفاد ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في كتاب (سنوات الجيشان)[4] ، وترك الأمر لأبي حسن كما يشير كتاب (إرث من الرماد)[5] الذي فجر القنبلة في وجه الاسرائيليين ودق ناقوس الخطر بالقول (أن العلاقة التي نسجها أبو حسن مهدت الطريق لعرفات لدخول الأمم المتحدة).

أما المصدر الأهم في هذه العلاقة فيرجع للكاتب والمؤرخ الأمريكي (كاي بيرد) الذي تحدث عن ضابط الاستخبارات الأمريكية (روبرت إيمز) الذي بنى العلاقة المميزة والسرية مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر أبو حسن سلامة وبوساطة مصطفى الزين ويعد هذا الكتاب (الجاسوس الطيب أو الجيد)[6] من أهم المراجع، إضافة للكتاب الثمين لمحمود الناطور (حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات) الذي يتحدث في أحد أجزاءه عن سيرة أبو حسن سلامة وعلاقته مع (إيمز).

حفلت حياة أبو حسن وعلاقاته مع الأمريكان بكثير من الغموض خاصة في ظل فترة انفتاح خفي وصد علي لاسيما وان صراع المعسكرين الشرقي (الاتحاد السوفيتي) والغربي (أمريكا) كان لا زال يعكس ذاته على العالم وعلى فصائل المقاومة شدا وجذبا ورجعية وتقدمية.

"يؤدي دورا وطنيا بصرف النظر عن الجسر الذي يمشي فوقه"

يكتب الإعلامي اللبناني الشهير سمير عطا الله عام 2014 مقالا عن أبو حسن سلامة حيث يبدد شكوكه الذاتية وربما شكوك البعض الآخر أيضا فيقول نصا[7]:((عام 1987 صدر للصحافي الأميركي الشهير "بوب وودورد" كتاب بعنوان «الحجاب» مبني على مقابلات مع رئيس الـ«سي آي إيه» لسبع سنوات، "وليم كايسي"، حول أدوار الوكالة السرية في المنطقة. لا تقول الوكالة كل ما لديها حتى عندما تقرر الكلام. لكن الكشف المذهل في الكتاب يومها أن علي حسن سلامة، رجل الأمن الأول عند ياسر عرفات، كان يمد الوكالة الأميركية بالمعلومات.

طبيعي أن الكتاب تحول إلى موضوع نقاش في كل مكان. يومها قلت للصديق رمزي صنبر، وهو مهندس ورجل أعمال فلسطيني: هل يعقل أن ساعد أبو عمار الأيمن كان عميلا للاستخبارات الأميركية؟ كان رد رمزي سريعا: «هل كان أبو حسن سلامة يعمل لحساب أميركا أم لحساب منظمة التحرير؟ شعوري، وربما قناعتي، أنه كان يؤدي دورا وطنيا بصرف النظر عن الجسر الذي يمشي فوقه».

صدر حديثا كتاب بعنوان «الجاسوس الطيب» عن سيرة "روبرت إيمس"، الذي أقام العلاقة مع رجل الأمن الفلسطيني الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية في بيروت عام 1979.

يروي المؤلف "كاي بيرد" أن مسؤولي الوكالة عارضوا كثيرا اتصال "إيمس"[8] بمنظمة التحرير المعتبرة آنذاك مؤسسة إرهابية، لكنه وجد في أبو حسن سلامة حليفا يستحق المغامرة. عندها أصر رؤساؤه على أنه لكي يثقوا بسلامة حقا، يجب أن يقبل التعامل مع الوكالة رسميا، أي خاضعا للضغط أو التهديد عند الحاجة.

وكان الاقتراح أن يصار إلى إغراء أبو حسن براتب قدره ثلاثمائة ألف دولار في الشهر. رفض أبو حسن مجرد البحث في الأمر. تذكرت النقاش مع رمزي صنبر في لندن فور صدور الكتاب قبل ثمانية وعشرين عاما من اليوم. كان أبو حسن يعمل لحساب قضيته لا لحساب أميركا. لا ازدواجية في الأمر. ولا ذلك النوع من الخيانة العظمى التي تعرف بـ«العمالة المزدوجة» كمبرر للسقوط في أسفل أنواع العمالات.))-انتهى الاقتباس من مقال سمير عطا الله

لكن من الممكن أيضا أن نقرأ له في ذات المقال القول عن أبي حسن أنه (لم يتصرف بقرار من عنده بل باتفاق مع قيادته. ولم تحمه علاقته بالـ«سي آي إيه» من مطاردة "إسرائيل" له بسبب كونه عضوا في «أيلول الأسود». فهذا العالم السري يتقاطع ويتصادم عند خطوط محددة).

يقول أبوالطيب مخاطبا أبوحسن سلامة في مقال له [9]: (نحن نقدر جيدا العمل الذي قمت به، ونحن نعرف أن فتح خط اتصال مع الأمريكان كان أخطر على إسرائيل من إطلاق النار عليهم، ونحن نعلم كيف أنك استطعت أن تكشف زيف تقارير إسرائيل للإدارة الأمريكية، لهذا تم اغتيالك واغتالوا معك مندوب الCIA روبرت ايمز (بوب)، بعدما عملت وإياه على تقدم المباحثات.)