أن تزعم أنك جهادي وإسلامي ومقاوم، أو انك مصحف متحرك، حسب تعبير سيّد قطب في وصفه للإخواني، ثم تفعل فعل الشياطين المستبدين والأغراب المحتلين؛ فإنك تسيء لنفسك أولاً، ولشعبك ثانياً ولقضيته ثالثاً، ولرسالتك المزعومة رابعاً، وللدين نفسه خامساً وعاشراً. كذلك عندما تزعم، أنك حسمت حسماً ولم تقتل وتنقلب انقلاباً وأطحت سلطة قلت فيها ما لم يقله مالك في الخمر؛ ثم تفتح سوقاً للرشى، فتعتصر بعض الناس المضطرين للسفر، وتأخذ منهم ألفي دولار، أو ألفاً، مقابل إصعادهم الى الحافلة التي تنقلهم الى الجانب المصري؛ معنى ذلك أنك مستعد لو أتيح لك، أن تتاجر بالناس وبرؤوس البشر وأن تفتح سوقاً للنخاسة، علناً، دون أن يرف لك جفن، أو أن يكبحك وازع من ضمير!
وأن تمنع سفر مواطن من غزة، الى الجزء الأكبر من بلاده، وترده على أعقابه، فيما أنت تصرخ ليل نهار، استنكاراً لإغلاق معبر رفح، فأنت، هنا، تُسقط بنفسك منطق شكواك من الآخرين، لأنك تأتي الفعل الذي تنهاهم عنه، بل تأتي بأسوأ من مثله. ونقول أسوأ، لأن منع دخول فلسطيني الى بلد آخر، هو حق سيادي لمن يمنعون، أما أنت فتمنع مجرد المرور داخل الوطن نفسه، ومن يمنع نفساً من المرور بغير حق، فكمن منع الناس جميعاً!
الرشوة وبيع حق الصعود الى الحافلة، ومنع المرور من الوطن الى الوطن، والضرائب ذات المسميات العجيبة، والاستدعاءات وبلاغات منع السفر، وكل هذه الملامح الشائنة لحكم حماس في غزة، التي كان يخجل منها الاحتلال في السنوات الأولى لتمكنه؛ تمرق كلها عن الدين وتستقر في دائرة الإثم ولا يفعلها وطني أو إنسان سويْ.
أية فضيحة هذه، التي يفتعلها المتنفذون الحمساويون لمشروعهم ولأنفسهم ولموقفهم في يوم الحساب والسؤال، ولمظهرهم أمام شعبهم، والى أي مآل ذاهبون؟
النبي محمد عليه الصلاة والسلام لعن المرتشي والرائش، أي الوسيط بين الراشي والمرتشي، وتنبه الفقهاء الى اضطرار الأول لتقديم الرشوة، لدفع ظلم أو ضرر، فرأوها جائزة ويكون الإثم على المرتشي، وقال ابن مسعود، إن الإثم على القابض دون الدافع. ويحرّم القرآن الكريم على المؤمنين (في سورة الحجرات) إيقاع الأذى في الناس:"والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا إثماً وبُهتاناً عظيماً".
أما الضرائب الغليظة العجيبة، فإن النبي عليه السلام، كان يسمي رقيقها وخفيفها "المَكس" فما بالنا بغليظها، ويقول:"لا يدخل الجنة صاحب مكس"، وسأل يوماً:"أتدرون مَن المُفلس؟" قالوا:"يا رسول الله، المفلس فينا، من لا درهم له ولا متاع". قال:"إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، وشتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فُنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطُرح عليه وطُرح في النار"!
نحن هنا، نتحدث عن واقع في السلوك، لن تحجبه عن الرؤية تلك الغيوم الكثيفة من كلام الجهاد والمقاومة والورع الزائف. فإن كنت تطرح نفسك مشروعاً للمقاومة، فعليك أولاً أن تحترم شعبك، وإن كنت تطرح نفسك إسلامياً، فإن دينك أوصاك بحُسن معاملة الآخرين المشركين من غير أبناء شعبك، فما بالنا بشعبك. وإن كنت تطرح نفسك، نورانياً، فما عليك سوى أن تتأمل هذه الظلمات التي أدخلت شعبك فيها. فيا عيب ما تفعل، ويا بؤس وغباء ما تحلم به، من كيان مسخ، يؤول لك. لقد أثقلت يا هذا حتى على الطيبين الذين صدقوك ومشوا في مشروعك، وأحرجت نفسك وأهلك وأمتك بهذه الرعونة المشهودة، وبتخليق هذا الانسداد في الآفاق!
يا عيب هؤلاء: بقلم عدلي صادق
17-06-2015
مشاهدة: 968
عدلي صادق
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها