مهما تشاءم المتشائمون، ومهما تجاهل المتجاهلون، فان زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المنطقة في بداية فترته الرئاسية الثانية، وهي الزيارة التي اقتصرت على فلسطين وإسرائيل والأردن هي بوابة واسعة لحراك سياسي جديد في المنطقة، وانطلاق هذا الحراك السياسي الاميركي من هذه الدول الثلاث، انما هو تأكيد انه ها هنا تكمن العقدة الصعبة، وانه من هنا ينفجر الصراع او ينطلق السلام بغض النظر عن امتداداته البعيدة وأطرافه المتعددة.
وفي هذه الزيارة انفتح الاهتمام من جديد وبتركيز اقوى، على جوهر المشكلة في هذه المنطقة وهي القضية الفلسطينية، حيث اعيد التركيز على الحلول ذات الاعماق المختلفة، وأبرزها حل الدولتين الذي يعني قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ومبادرة السلام العربية المنبثقة من هذا الحل والمرتبطة به، وإعادة (ركلجة) العلاقات بين اللاعبين الرئيسين حيث كانت اول الثمار المصالحة بين تركيا وإسرائيل بجهد اميركي واضح والتركيز على الوضع السوري المتفاقم بحيث ذهب وزير الخارجية جون كيري الى العراق ليطلب اغلاق الاجواء امام ما يقال عنه انه امداد بشحنات السلاح والأفراد التي تصل الى سوريا، وتحضير القمة العربية في الدوحة التي تنعقد خلال يومين لإعادة التأكيد على مشروع السلام العربي الذي عنوانه مبادرة السلام العربية التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002، وأصرت القمم العربية اللاحقة على الابقاء عليها واستمرار طرحها رغم التعامل السلبي من قبل اسرائيل، وتجاهلها بالمطلق.
ولكن منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة في النهر ولم يعد أي شيء كما كان !!! ويبدو ان المبادرة التي طرحت في العام 2002 لم يكن اوانها قد حان في ذلك الوقت، ولذلك رأينا اسرائيل ترد عليها باستفزاز شديد، ولكن المجموعة العربية لم تقم بردة فعل سلبية ولم تسحب المبادرة ولعل السبب وراء الاستفزاز الاسرائيلي منذ العام 2002، هو ان التيار المعادي للسلام في اسرائيل ? وهو التيار الاقوى ? كان يفضل ألا يكون هناك مشروع عربي للسلام !!! ولذلك فان هذا التيار المعادي للسلام في اسرائيل تعامل مع المبادرة منذ لحظات اعلانها شكل استفزازي يشجع على ردود افعال سلبية جدا !!! بل ان مبادرة السلام العربية في ذلك الوقت لم تشفع للرئيس عرفات الذي هو المحور الاساسي فيها الذي بقي محاصرا في المقاطعة في رام الله حتى لحظة اغتياله كما اعترف الرئيس الاسرائيلي شمعون بيرس قبل ايام قليلة، ان الخلاص من عرفات قد اضاع كل الفرص الي كانت متاحة في ذلك الوقت.
الآن نحن في زمن آخر:
وقائعه اليومية اكثر غموضا، وآفاقه المرئية اكثر خطرا، وكل من له تأثير سياسي حقيقي، مثل الولايات المتحدة لا بد ان يعيد الحسابات ويضع كل العوامل الجديدة في الحسبان !!!واعتقد ان هذه الزيارة التي بدأها الرئيس اوباما من بوابة الدول الثلاث هي تأكيد لهذه الحسابات الجديدة، اذ لا يمكن البقاء عند نقطة السفر، ولا يمكن الاطلال على بقية القضايا بالمنطقة ابتداء من الملف النووي الايراني والأوضاع في سوريا والمنطقة وإعادة ترتيب التحالفات، بعيدا عن الملف الاول والمشكلة الأولى، والقضية الأم وهي القضية الفلسطينية، والآفاق المرئية لحل هذه القضية ومن بينها مبادرة السلام العربية التي تعرضت خلال السنوات الماضية الى نقد شديد، وتجاهل اسرائيلي مستفز، ولكن الحكمة ورجاحة العقل ابقت على هذه المبادرة مطروحة على الطاولة، اقله ان العالم يرى ان المطالب الفلسطينية العادلة مدعومة بمشروع سلام عربي، بينما اليمين الاسرائيلي ما زال يتخبط ويركض وراء الاوهام.
لقد جرت احداث كثيرة وانفجرت حروب كثيرة منذ طرحت مبادرة السلام العربية فهل وجدت اسرائيل نفسها آمنة ومضمونة؟؟؟
ان الاجابة الحاسمة بالنفي على هذا السؤال تؤكد ان مبادرة السلام العربية هي أثمن ما طرح من آفاق سياسية في السنوات العشر الاخيرة.