انعكاساً للخارطة الانتخابية التي افرزتها انتخابات الكنيست الاسرائيلي الأخيرة، والتي جاءت نتائجها الفورية بميزة عدائها للفلسطينيين، على الرغم من بروز قوى مشكلة مفاجئة غير متوقعة تنادي بضرورة ايجاد حل ما للفلسطينيين حتى لو أدى الى ما اسمته "الطلاق النهائي"، الا ان هذه الشرعية التي مثلها حزب ليش أتيد وحصوله تحت زعامة يئير لبيد على 19 عضواً في الكنيست وهو ما وضعه بالمرتبة الثانية خلف تكتل الليكود نفسه الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سرعان ما استطاع الأخير استيعابها وضمها الى تحالفاته وتشكيلته الحكومية بطريقة تشبه الى حد ما مستوى "القاء القبض" لوضعها في وجه المتطرفين المتدينين الذين يختلفون معه على كثير من القضايا الداخلية الخاصة بالمجتمع الاسرائيلي ما عدا الوضع الفلسطيني بطبيعة الحال. الذين حرمهم من الدخول في التشكيلة الحكومية وليستخدم هذا الأمر في مساوماته في وجه حزبي "يوجد مستقبل"، برئاسة لبيد و"البيت اليهودي"، برئاسة بينين مفضلاً عدم قيادة حكومة موسعة تتمتع بشبكة أمان كبيرة في الكنيست الاسرائيلي الجديد. مكتفياً بما استطاع ان يحققه من خلال جمع ائتلاف حكومي يشترك كله في العداء للفلسطينيين والاصرار على توسيع الاستيطان وتهويد القدس..

وهذه النقطة بالذات "توسيع المستوطنات" وتكاثر البؤر الاستيطانية على حساب الاراضي والشعب الفلسطيني تخدم حلم رئيس الحكومة نتنياهو الذي يحلم بان يرى مليون مستوطن يهودي في الضفة الغربية الفلسطينية لاعتقاده بان هذا الامر يضعه في مصاف الرجال التاريخيين للقادة الاسرائيليين وأحد صناع التاريخ الاسرائيلي من خلال الجغرافيا خصوصاً وانه يشعر بانه مختلف يخلو تاريخه من أي انجاز كبير.

ولهذا سعى نتنياهو ومنذ بداية المشاورات بتشكيل الحكومة الى التوصل الى ائتلاف حكومي ولو كان غير موسع يتوافق معه ويوافق على سياساته الاستيطانية، او على الأقل غير قادر على الاعتراض عليها وهذا بالضبط هو مغزى مشاركة كتلة "يوجد مستقبل 19 نائباً" وتسلم رئيسها لبيبد حقيبة المالية وهي حقيبة ذات أهمية بالغة الا انها تضع صاحبها تحت الرقابة الجماهيرية المباشرة تجعل صاحبها منغمساً في كثير من المشاكل مما يبعده عن متابعة السياسات الأخرى الذي سيحاول نتنياهو ان يمررها دون ضجيج.

وعلى ضوء ذلك فان رئيس الحكومة نتنياهو يرمي من خلال تشكيل حكومته الحالية الى استخدامها في محاولة اخراج الكيان الاسرائيلي من عزلته الدولية التي تصاعدت وتراكمت نتيجة مواقفه وحكومته السابقة المتصلبة والمتشددة حيال مختلف القضايا وخصوصاً القضية الفلسطينية وصولاً الى تهديد وتقويض الأسس المفترضة لأي تسوية شاملة مستقبلاً على الرغم من محاولات كثيرة دولياً للسعي لايجاد صيغة مقبولة لأزمة الشرق الاوسط.

وهذا بالضبط ما فسر المسيرة الشاقة للمشاورات والمفاوضات التي تعرض لها نتياهو لتشكيل الحكومة ورؤيتها النور الذي تم التوصل اليه بعد حوالي الشهر ونصف الشهر وهي فترة كبيرة في تاريخ تشكيل الحكومات الاسرائيلية.. وهو ما ادى الى اعلانها بطريقة باهتة داخل جلسات تصويت الثقة تخلو من الاجواء الاحتفالية التي ترافق عادة اعلان تشكيل الحكومات واقتصار الاعلان على لقاء ضم نتنياهو مع رئيس الكيان الاسرائيلي شيمون بيريز والذي خلا بدوره هو الآخر من أي حفاوة معتادة بل على العكس تضمن انتقاداً علنياً من قبل بيريز بسبب استبعاد صديقه روبي يفلين عن منصب رئاسة الكنيست وتولي يولي اونشتاين بديلاً عنه وهو المعروف عنه بانه احد قادة الليكود الذي ينتمي اليه رئيس الحكومة .

واذا كانت تشكيلة الحكومة الاسرائيلية الجديدة الذي استطاع ان يفصّلها نتيناهو على مقاسه الا انها بالمقابل ضمت اكثر القادة تطرفاً وعدوانية ضد الشعب الفلسطييني فبالاضافة الى مطابقة مواقفها مع مواقف نتنياهو بما يخص الاستيطان وتوسعته والذهاب الى ابعد حدود في هذا المجال الا انها ايضاً تضم رؤوساً يمكن ان يقال عنها بانها حامية عسكرياً تسعى هي الأخرى بدورها الى تثبيت نفسها في مصاف القيادات "التاريخية" من خلال شن الحروب أمثال سيلفان شالوم في منصب نائب رئيس الحكومة وكذلك ايفال آلون كوزير للدفاع وهو الرجل العسكري من رأسه الى أخمص قدميه والقادم من منصب قيادة الاركان في الجيش الاسرائيلي والذي يحاول تحقيق انجاز تاريخي يضاف الى سجله العسكري وهو هدف يلتقي فيه مع رئيسه نتنياهو  في نهاية المطاف تضاف الى باقي ما يجمع هذه الحكومة وهي التي جاءت نتيجة لتحالفات في الكنيست غلب عليها طابع العداء للشعب الفلسطيني والاصرار على التنكر لحقوقه الوطنية الثابتة وعلى رأسها حقه في العودة وازالة الاحتلال عن ارضه واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف واضافة الى هذا كله فان الحكومة الاسرائيلية الجديدة ستحاول الاستفادة الى ابعد الحدود من عدم نية الادارة الاميركية ورئيس ادارتها باراك اوباما ممارسة اي ضغط عليها بل بالعكس فان مؤشرات المواقف الاميركية المختلفة تصب في خانة الدعم اللا محدود لهذا الكيان وهذا ما يجب أن ينتبه له الطرف الفلسطيني بشكل اساسي ومعه كل الاطراف العربية والاسلامية على حد سواء وعدم الركون الى ان الحكومة الاسرائيلية الجديدة يترأسها أربعة رؤوس فهي وان كانت متناقضة في الشكل الا انها متوافقة بالمضمون والأهداف.