غدا يصل الرئيس باراك اوباما للمنطقة في اول زيارة له للعالم في ولايته الجديدة، وبغض النظر عما اعلن حتى الآن ورشح من معلومات عن طابع وخلفيات زيارة رئيس الولايات المتحدة وحدود التفاؤل والتشاؤم او التشاؤل، فإن قدومه للمنطقة يعكس رغبة الادارة الاميركية في إحداث حراك في عملية السلام.

نعم الرئيس اوباما، قد لا يحمل برنامجا وخطة عمل جديدة، لان خيار التسوية السياسية على المسار الفلسطيني ? الاسرائيلي ليس بحاجة الى خطط جديدة، ولا إلى افكار إبداعية مغايرة لما تم تداوله على مدار العقدين الاخيرين، فضلا عن ان زعيم الدولة الاولى في العالم، تابع عن كثب ملف السلام نقطة نقطة، وفاصلة فاصلة، وارسل اكثر من موفد للسلام، كما ان وزارة الخارجية كانت على تماس، وكل اركان الادارة السابقة بما في ذلك الشخصيات الجديدة التي دخلتها كوزير الخارجية، تابع من موقعه في الكونغرس تفاصيل العملية السياسية، وربطته علاقات وحوارات وثيقة مع زعماء المنطقة وخاصة الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي. ولكنه (اوباما) يحمل قوة الدفع الجديدة. بعث الامل في خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وكبح النزعات الاسرائيلية المتطرفة المعادية للسلام، ولجم الاستيطان الاستعماري في القدس والاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

مع ذلك على الرئيس اوباما، إن كان معنيا بمكانته ودوره كصانع للسلام، وكحامل جائزة نوبل للسلام، وكرئيس للولايات المتحدة الراعي الاول لخيار السلام، وكحامي لدولة إسرائيل وحليف استراتيجي لها، وان كان معنيا بمصالح الولايات المتحدة الاميركية والغرب واسرائيل ذاتها، فإنه مطالب بوضع ثقله السياسي والاقتصادي والامني والثقافي للضغط على الحكومة الاسرائيلية الجديدة بزعامة نتنياهو، والزامها بدفع استحقاقات التسوية السياسية كاملة غير منقوصة بعيدا عن المواقف غير الموضوعية، التي تعطل خيار الدولتين على حدود ال 67، مثل اشتراط الاعتراف الفلسطيني ب'يهودية' دولة إسرائيل او 'إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين'، لأن هكذا اشتراطات تسقط من حيث المبدأ التسوية السياسية، وتعطلها.

لعل الاسئلة الثلاثة، التي سيطرحها اوباما على نتنياهو وبيريس حول مستقبل السياسة الاسرائيلية, وحدود الاستيطان الاستعماري والآفاق التي تريدها الدولة الاسرائيلية من السلام، والعلاقة مع شعوب المنطقة، تشكل المدخل العقلاني لفتح الباب الحقيقي لدفع القادة الصهاينة للجلوس على كراسي العقل والتفكير جديا بعيدا عن الديماغوجيا وخطاب الايديولوجيا، والكف عن السباحة عكس تيار المصالح الاسرائيلية ? الاميركية المشتركة.

لكن الرئيس اوباما في لقائه مع القناة الاسرائيلية قبل يومين وإطرائه للقيم' الاسرائيلية و'الثقافة ' الاسرائيلية، كشف عن إساءة لذاته ولثقافته ولدوره كرئيس للولايات المتحدة الاميركية، التي نادت وتنادي بحقوق الانسان والديمقراطية والحريات الخاصة والعامة، وتحارب العنصرية والاحتلال. فإسرائيل كانت وما زالت لعنة على الادارات الاميركية المتعاقبة، لأنها قامت على الارض الفلسطينية كمشروع كولونيالي استيطاني وعدواني، وما زالت دولة اسرائيل تمارس سياسة التطهير العرقي والابرتهايد، وتمارس الاحتلال والتهويد ومصادرة الاراضي واعتقال ابناء الشعب الفلسطيني, وتضطهد اليهود الشرقيين والمهاجرين من الدول الاخرى .. إلخ من القيم والسياسات الاجرامية, التي لا يليق برئيس اميركا ان 'يفخر ' بها.

قد يعتبر الانسان ما ادلى به رئيس اميركا الاسود شكلا من اشكال المحاباة وتلطيف الاجواء والمداهنة للقيادة الاسرائيلية والايباك وحزب الشاي في الولايات المتحدة، ولكن رئيس زعيمة العالم، مطلوب منه ان يكون بمقام رئيس اعظم امبراطورية في العصر الحديث، لا ان يكون مراهقا وساذجا سياسيا. التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل واقع، ومطلوب منه ان يتعامل معه بحكمة ومسؤولية وليس بابتذال وخفة، اساءت لموقعه ومكانته ودوره كرئيس للولايات المتحدة، وستؤثر على امكانية تحريكه عملية السلام، إلا إذا اظهر الوجه الآخر امام نتنياهو العبثي وبينيت المستوطن ويعالون القاتل وليبرمان المعادي للسلام.

الفرصة متاحة امام الرئيس أوباما لاستعادة عافيته ودوره من خلال ما سيحقق اثناء الزيارة التي تبدأ غدا، ومن خلال الدور التكميلي، الذي من المفترض ان يلعبه جون كيري، وزير الخارجية والمبعوث الجديد لعملية السلام, والآفاق مفتوحة للعب هكذا دور.

لن يبالغ المرء في حدود التفاؤل بزيارة الرئيس الاميركي، ولكنه لن يفقد الامل باحداث نقلة جدية في عملية السلام. وقادم الايام والاسابيع سيميط اللثام عن حدود الدور الاميركي في تحريك وتطوير الفعل الاميركي في عملية السلام، وبلوغ حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67.