لم يعد خافياً أننا وصلنا الى طريق مسدودة. فلم يعد أمامنا سوى الانتقال الى مستوى آخر من العمل السياسي، يختلف تماماً عن المفاوضات العقيمة. على هذا المستوى نذهب الى مجلس الأمن، ولدينا فيه ثلاث محطات، الأولى محاولة جمع الأصوات التسعة اللازمة لتقديم طلب اصدار قرار ملزم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 والثانية اجتياز مرحلة التصويت لصالحنا، والثالثة الوصول الى “الفيتو” الأميركي المتوقع. بعدها سيكون أمامنا مرحلة أخرى من فصلين، الأول هو الذهاب للانضمام الى جميع المنظمات والمعاهدات الدولية بما فيها محكمة الجنايات، والثاني هو مواجهة ردود أفعال الأميركيين ودولة الاحتلال وكانت هناك افتراضات تتعلق بطابع هذه الردود للأفعال ومصاعبها، وكاتب هذه السطور يجزم انهم لن يفعلوا شيئاً درامياً، وذلك لأسباب موضوعية.
في هذا السياق، قيل بالطبع كلام كثير متصل بالبُنية التي ينبغي أن تكون عليها الحركة الوطنية الفلسطينية في أية مرحلة عسيرة، لا سيما وأن الفتق بدأ وقد اتسع على الراتق. يجرى الحديث عن مؤتمر عام لحركة “فتح” توخياً للتجدد والتهيؤ، في كانون الثاني المقبل. وطُرحت مشكلة غزة وتنظيم “فتح” فيها وحال القاعدة الاجتماعية للحركة وواجبات التواصل معها بايجابية لتعميق ولائها وتعزيز حماستها للمشروع الوطني، وهذا ما تحتاجه الضفة وتتطلبه الساحات الخارجية. وفي كل شيء، ظل الحديث فضفاضاً يفرض السؤال: كيف ومن أين نبدأ؟!
في هذه الأثناء، تراجعت الدعوة الصريحة الى حلّ السلطة، من قبل المقتنعين بهذه الخطوة. غير أن مثل هذا الخيار أعيدت تسميته بصيغة دعوة الاحتلال لكي يتحمل أعباء احتلاله. لم نستمع الى شرح حول كيفية تقديم هذه الدعوة وتوقعاتنا لرد الاحتلال، ولا الى الجواب عن السؤال: وماذا بعد؟!
هذه نقطة واحدة مما تطرحه علينا المرحلة. وقبل نحو شهر، كان د. صائب عريقات يردد ليل نهار الدعوة الى حلّ السلطة، ويقول ان اسرائيل تفرض احتلالاً بغير كُلفة، ونحن قائمون على سلطة بلا سلطة وبلا أية صلاحيات وقد تجاوزت مدة ولايتها على اعتبار أنها تأسست كسلطة حكم ذاتي لمرحلة انتقالية. وفي الحقيقة بدا الكلام وكأنه اشارة افتتاح لمرحلة نضالية أخرى، وهذه هو المعنى المجرد لما يقوله الرجل، ان نظرنا اليه بمعزل عن معطيات أخرى. غير أن معطيات الواقع تستوجب التمحيص قبل اتخاذ القرار بحل السلطة أو قرار التمسك بها وابقائها في أيدينا. فالأمران أصبحا عسيرين، ما لم يؤخذ المقتضى اللازم لكليهما! 
بعد أن انتهى د. صائب عريقات من حديثه، وكنا مجموعة قليلة من الفتحاويين في مقر دائرة شؤون المفاوضات، قلت له انك تتحدث عن أمر حلّ السلطة وكأن لا بدائل لك، أو كأن اسرائيل سوف تتصبب عرقاً ولن تجد من يملأ الفراغ من فلسطينيين سيقولون كلاماً وطنياً ويزاودون عليك. ولكي تكون الأمور واضحة، ان البديل في الضفة ليس حمساوياً، لأن «حماس» ليست من الحماقة لدرجة التفكير في تسلم الحكم في الضفة، حتى وان كانت قادرة على ملء الفراغ على قاعدة تفاهمات عبر طرف ثالث أو أطراف أخرى صديقة لها وسالكة خطوطها مع اسرائيل. فان فعلت «حماس» ذلك، وهناك أطراف مستعدة لأن تساعد عليه، سيفقد خطابها «الجهادي» مضامينه، وستصبح في نظر الأبعدين، مثلما هي في نظر الأقربين في غزة، مثل شهاب الدين الذي كان أطقع من أخيه. وهذا ما جربته هي نفسها على صعيد الحكم، مع غياب العامل الاسرائيلي المباشر وبلا تفاهمات، فما بالنا عندما يكون العامل الاسرائيلي واضح الحضور. ان بدائل ناس السلطة موجودة، و«الخير كثير». وهي ليست من وحدة المستعربين في جيش العدو، وانما من اوساط وشرائح ذكرتها لصديقي صائب.
هذا ما ينبغي أن نعلمه في هذه النقطة. أما ما يتوجب علينا أن نبدأ به؛ فهو الأمر الذي يجعل خيار حلّ السلطة، وخيار ابقائها، على الدرجة نفسها من درء المخاطر والأضرار والقدرة على حماية المشروع الوطني الفلسطيني. انه الشروع فوراً في الاصلاح على الأصعدة الثلاثة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة. ومن لا يعرف معنى الاصلاح الديموقراطي، فليشرحه له ويعطى الأمثلة عليه، أولئك الذين يعرفون!