قال الرئيس محمود عباس، مساء امس، إنه بعد مرور 66 عاما على النكبة أثبتنا وسنثبت، إعادة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا، دولة مستقلة سيدة على أرضها بعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف الرئيس عباس في خطاب متلفز وجهه للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وبثه تلفزيونا فلسطين، والفلسطينية، لمناسبة الذكرى الـ66 للنكبة، أن فلسطين أصبحت على رأس جدول اهتمام العالم وقادته، ليس كقضية لاجئين ولكن كقضية تحرر وطني واستقلال لشعب عظيم وعريق. وشدد على أن ما أنجز كان ثمرة إستراتيجية سياسية وفقت ما بين العدل والممكن والمتاح، والانضواء تحت الشرعية الدولية وقراراتها وآلياتها، دون الانجرار إلى مربعات اليأس أو الاستسلام، "نقول نعم أو نقول لا حسب ما تقتضيه مصلحتنا الوطنية العليا".
وأعرب الرئيس عن أمله بأن يكون العام الـ66 للنكبة عام النهاية لمعاناتنا الطويلة، وبداية لمستقبل جديد لشعبنا. وقال: "آن الأوان لإنهاء أطول احتلال في التاريخ، وآن الأوان لقادة إسرائيل أن يفهموا أنه لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين".
وجه الرئيس عباس التحية لأرواح "شهدائنا الأبرار وإلى جرحانا وإلى أسرانا البواسل، وإلى كل فلسطينية وفلسطيني في كل موقع وفي كل ركن من أركان هذا العالم، حاملا فلسطين في قلبه ووجدانه منتظرا لحظة العودة، لحظة معانقة الوطن، لحظة نيل الحرية لنحتفل معا -بإذن الله- في رحاب دولتنا، وفي رحاب قدسنا، زهرة المدائن. إنه حلمنا اليوم ولكنه الحقيقة غدا. وإن غدا لناظره قريب...".
وحول عملية السلام، أشار الرئيس إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تزال تعيش عقلية الماضي، وتغلق بسياستها فرصة الوصول إلى حل الدولتين الذي أجمع عليه العالم، لتفتح الطريق أمام أحد احتمالين هما دولة ثنائية القومية أو نظام أبرتهايد عنصري.
وجدد الرئيس عباس التأكيد على أننا نريد الحصول على حقوقنا من خلال المفاوضات المستندة إلى الشرعية الدولية، وإلى ما تم التوافق عليه من مبادرات واقتراحات وخطط، وتنفيذ أمين وصادق لكل ما نتفق عليه مع الجانب الإسرائيلي. وأكد أنه من دون القدس ومن دون كونها عاصمة فلسطين فلا حل ولا سلام في هذه المنطقة. مشددا على أن إنقاذها من الأخطار المحدقة بها يتطلب دعم صمود أبنائها، وتضامن الأسرة الدولية وترجمة رفضها لقرار إسرائيل أحادي الجانب بضمها وتوحيدها، عبر إجراءات عملية تتجاوز البيانات.
وفيما يتعلق بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، أكد الرئيس عباس أن الاتصالات مستمرة مع الحكومة السورية ومع قوى المعارضة، لتحييد المخيمات، وأن الجهود متواصلة لتقديم المساعدة الغذائية والطبية وغيرها لمن لا يزالون في المخيمات أو الذين اضطروا إلى مغادرتها. وحيا اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ودعاهم لعدم الانجرار إلى مخططات تريد إدخال مخيماتنا في أتون صراعات مذهبية وتكفيرية، وقال: "موقفنا واضح وصريح وهو احترام سيادة لبنان الشقيق، ونحن ضيوف مؤقتون إلى حين العودة، ونحن مع لبنان رئيسا ورئيس حكومة وبرلمان بكل ما يقررونه".
وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني، أكد الرئيس عباس أن برنامج الحكومة المقبلة سيكون برنامجه السياسي والأمني لنزع الذرائع وتجنب فرض عقوبات اقتصادية، وتوفير متطلبات الصمود، وإنهاء حصار غزة، والحفاظ على أمن المواطن، وتسهيل حركته، وتشجيع الاستثمار.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس:
أيتها الأخوات أيها الإخوة
يا أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم
أحييكم وأشد على أياديكم، أسرى وجرحى، صغارا وكبارا، رجالا ونساء، في الوطن وفي الشتات، مستذكرا معكم جميعا المناسبة التي نحييها اليوم في كل دولة وفي كل ساحة وفي كل بيت. إنها ذكرى النكبة التي حلت بشعبنا قبل ستة وستين عاما، وما حملته من آلام ودماء ودموع وفقدان للوطن، ومخططات ومشاريع أرادت تحويل الفلسطينيين إلى حالة إنسانية بحاجة للمساعدة، لاجئين لا وطن ولا هوية لهم.
بفخر واعتزاز وثقة بالنفس نقول اليوم، إننا أثبتنا وسوف نثبت، إعادة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا، دولة مستقلة سيدة على أرضها بعاصمتها القدس الشرقية زهرة المدائن، مدينة الأنبياء والرسل، حاضنة الأقصى وكنيسة القيامة.
نستذكر اليوم، ولم ولن ننسى تضحيات شهدائنا الأبرار. نحيي روح مفجر ثورتنا الأخ أبو عمار وإخوانه ورفاقه قادة وكوادر ومناضلين، ونحيي أسرانا البواسل وجرحانا، فلولا تضحياتهم لما استطعنا أن نغير المصير الذي كان مخططا لنا وجوهره: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، كبار السن يموتون وصغارهم ينسون.
فلسطين اليوم أيتها الأخوات والإخوة على رأس جدول اهتمام العالم وقادته، ليس كقضية لاجئين، ولكن كقضية تحرر وطني واستقلال لشعب عظيم وعريق، برهنت عليه نتائج التصويت على مشروع قرار منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، إذ صوتت 138 دولة مؤيدة، مقابل تسع دول معارضة فقط، وأصبح من حقنا الانضمام إلى كل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وقد بدأنا فعلا بالانضمام لبعضها، ودولتنا هذه اعترف رسميا بحدودها وهي حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967.
أخواتي إخوتي... أبنائي الأحباء
إن ما أنجزناه على أهميته عبر مسيرتنا النضالية الطويلة التي بدأت منذ انطلاقة ثورتنا بقيادة حركة فتح عام 1965 وبقية فصائل العمل الوطني المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية أو التي ستنضوي لاحقا، كان ثمرة استراتيجية سياسية وفقت ما بين العدل والممكن والمتاح، والانضواء تحت الشرعية الدولية وقراراتها وآلياتها، دون الانجرار إلى مربعات اليأس أو الاستسلام، نقول نعم أو نقول لا حسب ما تقتضيه مصلحتنا الوطنية العليا. هذا كان نهجي معكم وهذا ما سأستمر عليه حتى نحقق معا -بإذن الله- حلمنا في العيش في دولتنا الحرة المستقلة، دولة لكل فلسطينية وفلسطيني، لا تمييز فيها على أساس الجنس أو الدين، دولة تستحق أن تكون منارة ونموذجا لشعب عانى، ولكنه على مرارة معاناته لا يحقد ولا يتعصب، بل يحب لغيره ما يحبه لنفسه.
نسير نحو تحقيق أهدافنا والمصاعب والعقبات واضحة أمامنا، فالحكومة الإسرائيلية الحالية لا تزال تعيش عقلية الماضي، بل إنها تزداد تطرفا وتعصبا، فتتراجع عن اتفاقيات والتزامات سابقة، وتضع شروطا تعجيزية جديدة كالمطالبة بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وتسابق الزمن لتهويد القدس والتوسع في المخططات الاستيطانية، ما أفقدها تأييد أقرب حلفائها التاريخيين، وهي بسياستها هذه تغلق فرصة الوصول إلى حل الدولتين الذي أجمع عليه العالم بأسره، لتفتح الطريق أمام أحد احتمالين، هما دولة ثنائية القومية أو نظام أبرتهايد عنصري على النمط الذي كان سائدا في جنوب إفريقيا.
لقد قلت سابقا وأكرر أمامكم وأمام العالم بأجمعه، بأن الاستيطان من أساسه غير شرعي، ولن نقبل به تحت أي مسمى، دينيا كان أو أمنيا أو سياسيا، فيدنا ممدودة للسلام، والعمل السياسي يعني المفاوضات، ونريد أن نحصل على حقوقنا من خلال المفاوضات المستندة إلى الشرعية الدولية، وإلى ما تم التوافق عليه من مبادرات واقتراحات وخطط، وتنفيذ أمين وصادق لكل ما نتفق عليه مع الجانب الإسرائيلي بغض النظر عن تشكيلة حكومتهم التي تذهب أو تأتي.
لقد تعثرت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي مؤخرا نتيجة أمرين هما: أولا عدم الالتزام بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى مقابل ما التزمنا به مقابل ذلك بعدم الانضمام لمنظمات دولية، وعندما أخلوا بالتزامهم قمنا بطلب الانضمام إلى خمس عشرة منظمة واتفاقية دولية وأصبحنا أعضاء رسميين في معظمها.
أما الأمر الثاني فكان استمرار الحكومة الإسرائيلية في التوسع الاستيطاني، وعدم مبالاتها لردود الأفعال الدولية المنددة بذلك، والتي وصلت إلى درجة مقاطعة الدول لأعضاء في الاتحاد الأوروبي لكل مؤسسة أو شركة تعمل في المستوطنات، وكذلك مقاطعة إنتاج المستوطنات.
أيها الإخوة المواطنون... أيها الفلسطينيون في الوطن والشتات
أعيش همومكم وأحس معاناة كل منكم، وأبذل مع الحكومة والقيادة أقصى ما نستطيع من جهد لتخفيف حجم المعاناة، فقلوبنا جميعا مع المأساة الجديدة التي يعاني منها أبناء شعبنا اللاجئين في سوريا، فنحن لم نكن ولا نريد أن نكون طرفا في صراع داخلي، وقد كان هذا نهجنا في الأحداث المختلفة التي شهدتها دول عربية سواء كان ذلك في العراق سابقا، أو ما حدث في تونس وليبيا واليمن، وأخطرها بلا شك الأحداث التي تجري في سوريا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني احتضنهم شعبها العظيم بكل محبة وترحاب، وعاملهم معاملة المواطن السوري، وكانت المخيمات في بداية الأحداث جزرا آمنة وهادئة تقدم المساعدة، وتحظى بتقدير الجميع، إلى أن امتدت الأيادي الشريرة وأصحاب الأجندات الخاصة والمتطرفين الذين يسترخصون دماء الأبرياء، فزج بأبناء شعبنا الذين اضطر الآلاف منهم للتشرد من جديد، ومات ويموت منهم مئات نتيجة الجوع أو القصف العشوائي، خاصة في أكبر مخيمات اللاجئين، مخيم اليرموك.
إننا على تواصل مستمر مع الحكومة السورية ومع قوى المعارضة أيضا، على أمل تحييد المخيمات، ولن نيأس من مواصلة بذل جهودنا هذه، وفي نفس الوقت تقديم المساعدة الغذائية والطبية وغيرها لمن لا يزالون في المخيمات أو الذين اضطروا إلى مغادرتها.
ويشغل بالنا أيضا وضع إخواننا في المخيمات الفلسطينية في لبنان الذين فتحوا بيوتهم لإخوان لهم جاءوا من سوريا ليتحملوا أعباء جديدة على أعبائهم، فلهم منا جميعا كل التحية والتقدير، وأناشدهم بهذه المناسبة بعدم الانجرار إلى مخططات شيطانية تريد إدخال مخيماتنا في لبنان في أتون صراعات مذهبية وتكفيرية، وتحويل بعض المخيمات أو أجزاء منها إلى بؤر تؤوي الخارجين عن القانون، فموقفنا واضح وصريح وهو احترام سيادة لبنان الشقيق، ونحن ضيوف مؤقتون إلى حين العودة لوطننا، ولبنان الرسمي هو وحده، ووحده فقط من يقرر نزع السلاح، ونحن مع لبنان رئيسا ورئيس حكومة وبرلمان بكل ما يقررونه.
أيها الإخوة والأخوات
إن من أولى أولوياتنا على الصعيد الداخلي الفلسطيني إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بين شطري الوطن، عبر التنفيذ الأمين لما اتفق عليه في الدوحة والقاهرة، أي تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية من شخصيات مستقلة، تجري خلالها الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، ونأمل على ضوء ما تحقق مؤخرا، وما أقره المجلس المركزي بألا تكون هناك أية عقبات أو أية ذرائع لإعاقة ما يتطلع إليه شعبنا، وهذه الحكومة سيكون برنامجها هو برنامجي سياسيا وأمنيا، فبذلك نستطيع نزع الذرائع وتجنب فرض عقوبات اقتصادية وتوفير متطلبات الصمود والبقاء على الأرض بإنهاء الحصار الظالم لقطاع غزة، والحفاظ على أمن المواطن وتسهيل حركته وتشجيع الاستثمار وحركة البناء والعمران لكي نفشل كل المخططات المستفيدة حتى الآن من حالة الانقسام.
الأولوية التي ليس من قبلها أو بعدها أولوية هي قضية القدس التي من دونها ومن دون كونها عاصمة فلسطين فلا حل ولا سلام في هذه المنطقة. صحيح أن القدس اليوم في خطر حقيقي، وأن إنقاذها يتطلب دعم صمود أبنائها الأسطوري، فهي تتعرض لأعتى عملية استيطان لتغيير معالمها، والاعتداءات شبه اليومية على الأقصى المبارك وعلى بقية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وأملنا كبير بوفاء أشقائنا بالتزاماتهم المالية تنفيذا لما سبق وأقرته عدة مؤتمرات عربية وعلى مستوى القمة، كما نتطلع إلى دعم وتضامن الأسرة الدولية وترجمة رفضها لقرار إسرائيل أحادي الجانب بضم وتوحيد القدس، عبر إجراءات عملية تتجاوز البيانات الصحفية التي تكرر رفضها وشجبها لسياسات الحكومة الإسرائيلية، وأنها عقبة في طريق السلام، في حين أنها تكاد تصبح مقتلا لعملية السلام.
أيها الإخوة الفلسطينيون
إننا حريصون أشد الحرص على تمتين علاقاتنا مع مختلف دول العالم، خاصة مع أشقائنا أبناء أمتنا في مختلف الدول العربية، التي ننسق ونتشاور معها، فمصيرنا واحد ومستقبلنا واحد، ونحن ممتنون لكل التضحيات والدعم والمساعدة، وواثقون بأن فلسطين كانت وستبقى القضية المركزية لأمتنا العربية.
ونعبر عن شكرنا وتقديرنا للدعم الذي تقدمه مختلف دول العالم وشعوبها والمنظمات الإنسانية والاجتماعية والنقابية، ونتعاطى بكل إيجابية مع أية جهود دولية تفضي إلى حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا حسب ما نصت عليه مبادرة السلام العربية.
أخواتي... إخوتي
في الذكرى السادسة والستين للنكبة، ندخل عاما جديدا نأمل أن يكون عام النهاية لمعاناتنا الطويلة، وبداية لمستقبل جديد لشعبنا ولأمتنا ولمنطقتنا. فقد آن الأوان لإنهاء أطول احتلال في التاريخ الحديث، وآن الأوان لقادة إسرائيل أن يفهموا بأنه لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين، فهنا باقون وإلى هنا تتطلع أبصار اللاجئين الفلسطينيين وتخفق قلوبهم.
بلغتنا الواضحة أيها الإخوة اكتسبنا المصداقية وثقة العالم، دون تنازل عن حقوقنا أو تفريط بثوابتنا التي أقرتها مجالسنا الوطنية منذ عام 1974 مرورا بعام 1988، وما أعقب ذلك من قرارات بشأن اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية وحتى قرار الأمم المتحدة 29/11/2012 باعتبار فلسطين دولة بصفة مراقب على حدود 67 .
تحية لأرواح شهدائنا الأبرار وإلى جرحانا وإلى أسرانا البواسل، وإلى كل فلسطينية وفلسطيني في كل موقع وفي كل ركن من أركان هذا العالم، حاملا فلسطين في قلبه ووجدانه منتظرا لحظة العودة، لحظة معانقة الوطن، لحظة نيل الحرية لنحتفل معا -بإذن الله- في رحاب دولتنا، وفي رحاب قدسنا، زهرة المدائن.
إنه حلمنا اليوم ولكنه الحقيقة غدا.
وإن غدا لناظره قريب...
أجدد لكم جميعا أطيب التحيات، وإلى لقاء قريب على أرض فلسطين إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس: حلمنا اليوم حقيقة غدا وإن غدا لناظره قريب
15-05-2014
مشاهدة: 1938
إعلام حركة فتح - إقليم لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها