كان في غرفة الطبيب ينتظر دوره، طفل في سن الثالثة، أخذ دفترًا صغيرًا وبدأ يكتب، وعندما رآه الطبيب سأله بدهشة بدت على وجهه: من كتب لك هذا، فأجابته الأم أن ابنها هو من كتب وليست هي، ليتنبأ له بمجد ونجاح وتألق في الخط العربي.

هذه كانت واحدة من المواقف التي روتها أم قاسم لـ وطن للأنباء، والضحكة تملأ ثغرها، وعيناها تحدق بابنها قاسم وهو يخط "البسملة".

وتتابع لنا عن موقف آخر ظريف، حيث أن الأستاذ في المدرسة كان يبعث لها كل يوم مع قاسم بأن لا تكتب له واجباته البيتية وخاصة الخط العربي، ويقول لها أنهم يكتبون خط الرقعة وليس النسخ، الذي كان يأتي به يوميا قاسم إلى المدرسة.

وتقول "بعد ذلك استمرت لدى قاسم هواية الخط، إذ شارك وهو في الثانوية العامة  بمسابقة في محافظة سلفيت، وتفاجأت اللجنة بوجود فتى بهذا العمر يملك هذه الموهبة ولم تعلم عنه منذ سنوات سابقة، فحصد المركز الأول".

الشاب قاسم السرطاوي، من قرية سرطة غرب مدينة سلفيت، يدرس الأحياء التطبيقية، يشير خلال حديثه أن دخوله الجامعة فتح له آفاقًا كبيرة، من خلال تعرّفه على خطاطين كبار، وكان لهم الأثر في صقل موهبته، على حد تعبيره.

وعن أساتذته يقول، أستاذي الأول محمد نمر سرطاوي، كان من أكثر الذين قادوني بالخط العربي، وكان الشخصية الثقافية لمحافظة سلفيت العام الماضي، والأستاذ عادل فوزي الذي شارك في كتابة أكبر مصحف في العالم بدمشق، وغيرهم من الأساتذة.

وبعد سؤاله عن عدم دراسته للخط العربي، يقول "المجال في دراسة شيء آخر يختلف عن المجال الذي يبدع فيه ومن الممكن أن يكون أفضل، لأنه يتيح له فرصة للعمل في إحداهما، وثانيا الإبداع ليس بالضرورة أن أدرسه في الجامعة وأبقى ملزمًا فيه، لأن إطار الجامعة يبقى في أشياء كلاسيكية، ولا مستقبل للإبداع فيه".

ويضيف، كان لي ثلاث معارض خاصة، أول معرضين شاركت فيهم خلال السنوات الأولى في الجامعة، والثالث شخصي بالتعاون مع جمعية أصدقاء البيئة، والرابع أيضا شخصي في الجامعة، وشاركت في مهرجان الزرقاء في الأردن، وبمسابقة الملتقى الطلابي الإبداعي الخامس عشر في الرياض، وحصدت المركز الأول.

ولم يتميز الخطاط السرطاوي بخطه فقط بل انفرد بصناعة ورقه الخاص وحبره أيضًا، "الورق الذي استخدمه في الكتابه هو عبارة عن ورق مقهّر، أصنعه على طريقة قديمة تقليدية، ويكون مقاوم للحرارة والرطوبة والحشرات".

أول خطوة: أعطي الورقة البيضاء لونًا من (الشاي والنسكافيه والكاكاو) وأتركها لتجف، والثانية أكون قد تركت القمح بالماء لمدة يوم، واليوم التالي أعصره وأُخرج النشا منه وأتركه ليجف، ثم أضع كمية من النشا والماء وأغليها لتصبح مزيجًا متماسكًا قليلا، والمرحلة التالية هي وضع بياض البيض ليعطي الورقة الملمس الناعم وسهولة المشي عليه، فتكون قابلة للمسح والحت بالشفرة إن حدثت أخطاء أثناء الكتابة.

ومرحلة البيض تكون عبارة عن بياض البيض مع حجر الشبة ونحركه لمدة 20 دقيقة.

وعن صناعة الحبر يصنعه أيضًا بشكل طبيعي من خلال حرق الزيت وحشرة المن التي تنمو على الشجر.
والجدير بالذكر، أن السرطاوي يكتب على الورق بخط الرقعة والنسخ والثلث والديواني والديواني الجلي والفارسي، ويكتب على الخشبيات والنثريات والزجاج.