تصريحات موسى أبو مرزوق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية لم تفاجئ أحدًا خصوصًا لمن يتابع حركات الإسلام السياسي، وبالتحديد المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، فهم على استعداد لتغيير جلدهم حسب الظرف، وحسب الطلب وما تقتضيه الشروط الأميركية والدولية. ويعتقد أبو مرزوق، أن حماس يمكن أن تغسل خطيئتها، وما قاد فعلها المغامر والأناني في السابع من أكتوبر 2023 إلى الإبادة الجماعية الإسرائيلية المدمرة دون أن يتم محاسبتها. كما على قارئ التصريح ألا يغفل أن أبو مرزوق كان يوجه رسائله عبر "نيويورك تايمز" للنخب السياسية الأميركية والشعب الأميركي، وليس من المستبعد أن يكون التصريح مدفوع الثمن، وأن الصحيفة تلقت شيكًا بمبلغ كبير لإجراء المقابلة ونشرها، ودافع المال معروف، وهو المستضيف لحماس والذي يقدم لها النصح للانتقال من الجهادية إلى الدبلوماسية.

قد يكون هناك حاجة لمعرفة لماذا تم اختيار أبو مرزوق، فالرجل كان يقيم في الولايات المتحدة، وهو من أسس أكثر من 80 مؤسسة وجمعية لجماعة الإخوان في أميركا، وكان أحد قادة هذه الجماعة وهو من أقنع الرئيس المصري الراحل محمد مرسي للانضمام للجماعة، وكان أحد المعتمدين من أوساط أميركية على أنه أحد ممثلي الإسلام المعتدل إلى أن بدأت حماس هجماتها ضد إسرائيل في مطلع التسعينيات، وبالتزامن مع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو، وقامت السلطات الأميركية بترحيله للأردن. 

المقصود من التذكير بهذا التاريخ وهذه التفاصيل هو معرفة طبيعة الشخص الذي قدمته حماس من جديد ليخاطب النخب الأميركية وليصبح قناتها للتواصل مع واشنطن، فهو اخواني للنخاع، وابن مدرسة الباطنية الإخوانية والمتجذر فيها، هو الوجه الحمساوي الناعم، هذا هو الدور المنوط به، أو ما كلفه به المستشارون الذين يستضيفون حماس في بلدهم، ويشجعونها على الذهاب نحو هذا الاختيار ودفعوا باتجاهه.

بغض النظر عن أبو مرزوق، فإن تصريحاته تعتبر بداية لتغيير حماس لجلدها الإيراني، لتعود إلى جلدها الإخواني السني "المعتدل المتأقلم مع الشروط الإسرائيلية الأميركية، على أمل أن تحافظ حماس على وجودها في اليوم التالي، وتواصل حكمها لغزة، وربما تريد ما هو أكثر".

ويبدو أن ما قام به أبو مرزوق، جزء من خطة وضعها الممولون الأوصياء على حماس، والذين دعموا انقسامها عن الشرعية الوطنية الفلسطينية، والخطة تهدف إلى إعادة إنتاج حماس لمرحلة جديدة ولإستخدامات جديدة، وجعلها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، خصوصًا أن حماس منذ البداية رفضت الانضمام للمنظمة وقدمت نفسها بديلا لها، وليس هذا وحسب، بل إن كل ما قامت به حماس منذ تأسيسها كان أحد أهم أهدافه إضعاف المنظمة والسلطة. وكل مغامرات حماس "الجهادية" وحتى مغامرة السابع من أكتوبر 2023 المدمرة، كان هدفها القضاء على المنظمة والسلطة بالضربة القاضية والحلول محلها.

في جانب من تصريحات أبو مرزوق يبدو وكأنه يعترف بالكارثة، بل النكبة التي جلبتها حماس للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، إلى درجة أصبح الفلسطينيون ومعهم العرب منشغلين الآن في منع التهجير وليس في الحديث عن هدف الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة المنصوص عليه في القرار (194) وحقوقهم قي القدس الشرقية باعتبارها أرضًا فلسطينية محتلة منذ حرب العام 1967.

ولكن في الجانب المهم فان التصريح هو عبارة عن بالون اختبار، فإذا بدأ المجتمع الدولي والعربي يتفاعل مع تصريح فردي لأحد قادة حماس، وجاء التفاعل إيجابيًا من وجهة نظرهم يتحول التصريح الفردي إلى موقف لحماس، وإذا لم ينجح الاختبار فيتم طي صفحة التصريح الفردي، ويبقى رأي لصاحبه.

ما يمكن أن يلاحظ من كل هذه الزوبعة، هو أن هناك موقفًا عربيًا وأميركيًا يقول أنه لا بد من استيعاب حماس، ولكن بشرط أن تتخلى عن جلدها الإيراني وطروحات محور المقاومة، وأن دولاً عربية تسهم مباشرة في عملية الاستيعاب.

من هنا لا يمكن اعتبار تصريحات موسى أبو مرزوق بأنها صحوة ضمير حمساوية، أو محاولة لنقد الذات. إنها لا تعدو عن كونها بالونات اختبار لفرص إعادة قبولها بشروط إسرائيلية كاملة.