إن ما تحاول إسرائيل تسويقه في الإعلام، أن الضفة الغربية على وشك الاشتعال وأن السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار ما هو إلا تهيئة الرأي العام الإسرائيلي والمحلي والإقليمي والدولي لتلك التوقعات التي قد تحدث قريبًا في الضفة الغربية. وتبني إسرائيل هذه التوقعات لسببين أولاهما خسارة إيران مواقعها في سوريا وغزة، ولبنان وعليه فإن الإيرانيين لديهم التوجه للامتداد للضفة الغربية، على أساس أن الضفة الغربية قاعدة متقدمة في مواجهة إسرائيل. أما بخصوص انهيار السلطة الفلسطينية، فهي ليست دولة وقد أنشِئَت بموجب اتفاقية أوسلو سنة 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على أساس التقدم في مسار السلام الذي تعثر مبكرًا. وتراجع قوة السلطة الفلسطينية ليس بسبب الإنكفاء الذاتي بقد ما قامت به إسرائيل من سحب كل الصلاحيات المناطة بها، ووضع العصى في دواليبها.
الضفة الغربية هي ليست قطاع غزة، بمعنى أن القطاع بعد الانقلاب الأسود التي قامت به حركة حماس عام 2007، اعتمدت تطوير برنامج عسكري واسع مع الفصائل الفلسطينية، وتحالفت مع إيران في سبيل ذلك وأسست لتكون جزءًا من ما تم تسميته في محور المقاومة، ورفعت من قدراتها العسكرية المتواضعة أمام قدرات إسرائيل العسكرية.
الضفة الغربية أضحت اليوم وبعد أكثر من خمسين عامًا من الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان جزيرة ومدنها هي جزر صغيرة يتحكم بها الأمن الإسرائيلي في كل معطياتها وأبعادها ومقوماتها، ويستطيع أن يحاصرها بدقائق معدودة ويستطيع خنق هذه المدن وفقًا لرؤيته الأمنية، كما أن هذه المدن تتعرض للتوغل الإسرائيلي، والحصار الاستيطاني والعسكري المفروض عليها.
إسرائيل هي من يمنع أو يسهل عمليات تهريب السلاح إلى أي مكان، بما فيها الضفة الغربية. وعلى سبيل المثال إسرائيل من الناحية المادية ليست موجدة في سوريا بينما هي تعلم بأدق تفاصيل تدفق السلاح إليها أو عبرها، والحرب التي كانت تشنها على سوريا قبل سقوط النظام وبعده، كانت لتدمير هذا السلاح، وهذا أوضح الأمثلة على قدرتها الاستخبارية، فكيف بالتحرك هنا على أرض الضفة الغربية. كل شيء يمر هو تحت أعينها، وإن أسرعت في التحرك ضد توريد السلاح فهذا وفقًا لمعلومات استخبارية، وإن لم تتحرك فهذا لا يعني أنها لا تعلم، بل هي تعلم ولكن تؤخر التحرك العسكري ليأتي وفقًا لأهداف إسرائيلية.
الوعي لدى الجمهور في الضفة الغربية وبعد كل الذي حدث في غزة وجنوب لبنان وسوريا، ارتفع بشكل واضح، ولا أحد يريد أن يدخل في تجربة لتدمير الضفة الغربية. الفصائل الراديكالية مثل حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي لا زالت قنواتها مفتوحة مع إيران، ولكن حركتهم في الضفة الغربية يدركونها تمامًا إن الأمن الإسرائيلي يبصر تحركاتهم. اليوم نحن نرى أن إسرائيل تعمل في الضفة الغربية وتداهم المدن والقرى، وهو يأتي في إطار خطط وبرامج لفرض الأمن بالقوة فيها، وهو يتابع حركة السلاح والأموال في الضفة الغربية.
اشتعال الضفة الغربية، بما فيها دخول عتاد عسكري إلى الضفة الغربية يتم بإرادة إسرائيلية، وهو يخضع للمشروع الإسرائيلي للتهجير وضم الضفة الغربية، وسيتم التهجير من المناطق التي يزداد فيها إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية، وهذه خبرتنا عبر طيلة السنين في كل المواقع التي تم فيها عمليات عسكرية في الضفة الغربية منذ احتلالها، فقد تم تهجير أهلها ومصادرة مناطق شاسعة من المناطق عبر سنوات الاحتلال، وهذا هو المسلسل القادم وسوف نشاهده إذا ما قدر له ذلك ولكن بخطوات واسعة تؤدي لضم الضفة الغربية لما يسمى بإسرائيل الكبرى، والتهجير إلى شرق نهر الأردن.
المقاومة الشعبية السلمية ستبقى الوسيلة الأقوى في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، وهي الوسيلة التي سيتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق إرادته أمام هذا الجبروت الإسرائيلي، والقوة التدميرية التي يلقون بها على المدنيين العزل. لا يتورع الإسرائيليون بتنفيذ المجازر والإبادة الجماعية والتهجير في أدنى محاولات المواجهات العسكرية التي تقاوم الاحتلال. وهم اليوم يسوق إعلامهم ما يخططون له لتنفيذ مخططهم في الضفة الغربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها