زهران معالي
على آثار الحرق والتكسير لعشرات المنازل والمركبات والممتلكات الخاصة، استفاقت قرية اللبن الشرقية جنوب نابلس صباح اليوم الأربعاء، بعد ليلة دامية شهدت هجمات دموية مدمرة نفذها مئات المستوطنين بحماية جيش وشرطة الاحتلال الإسرائيلي.
لعدة ساعات توهجت ألسنة اللهب في عتمة الليل على طول الشارع الرئيس الممتد في سهل القرية من مركبات ومنازل ومنشآت المواطنين بعدما وجدوا أنفسهم محاصرين بميليشيات المستوطنين ورصاص الجيش، الذي أسفر عن إصابة خمسة شبان من أبناء القرية الذين هبوا لصد الهجوم.
بينما كان يتفقد مركبات محترقة، وصف رئيس مجلس قروي اللبن الشرقية يعقوب عويس الحادثة، بأنه "منظر إرهابي بشكل غير عادي وغير طبيعي، مستوطنون عاثوا فسادا بالمنطقة ونفذوا كل شيء ممكن أن ينفذوه من اعتداءات: حرق وتدمير منازل ومحلات تجارية وإطلاق نار بكثافة".
ويتابع: "المستوطنون حاولوا اقتحام البلدة وحرقها بشكل كامل، لكن بفضل المقاومة الشرسة من شبان القرية لم يتمكنوا من ذلك، وأهالي اللبن نزلوا إلى الشارع العام لحماية أبنائنا وأمهاتنا وأرضنا وأهلنا، وكانت مقاومة غير عادية".
ويشير عويس إلى أن الهجوم أدى إلى احتراق 30 مركبة وجزء من محطة وقود وتحطيم نوافذ عدة منازل وحرق أطراف عدد من المنازل الاخرى، إضافة إلى اثنين من محلات مواد البناء، فيما حالت يقظة الشبان دون احتراق قرابة ألفي دونم مزروعة بالمحاصيل الزراعية، أشعل المستوطنون إطارات بهدف إحراقها.
ولعل هجوم المستوطنين الدموي الذي شهدته بلدة حوارة جنوب نابلس في الـ26 من آذار الماضي، كان ناقوس خطر لبقية المواقع ومناطق الاحتكاك وبينها قرية اللبن الشرقية، التي صدحت سماعات المساجد فيها بدعوة الأهالي لصد الهجوم، حيث تمكنوا من منع المستوطنين من اقتحام القرية، وفق ما يؤكد عويس.
ويضيف: "كنا نتوقع ما حدث ونتوقع أن يحدث أكبر من ليلة إحراق حوارة، لذلك كان هم أهالي البلدة أن يردوا العدوان عن القرية ومنع المستوطنين من دخولها، ما جرى بحوارة وبورين كان درسا لنا لنكون متيقظين لحماية ممتلكاتنا وأرضنا".
وتتوسط قرية اللبن الشرقية الطريق الواصل بين رام الله ونابلس، على بعد 21 كم جنوب نابلس، و27 كم شمال رام الله، ويبلغ تعداد سكانها (3 آلاف نسمة)، محاطة بأربع مستوطنات وأكثر من 5 بؤر استيطانية، من الجنوب مستوطنة "معالي ليفونه" ومن الشرق مستوطنتا "عيلي" و"شيلو"، ومن الشمال مستوطنة "أرائيل".
وهذا الموقع جعلها أحد الطرق الواصلة بين شمال الضفة الغربية ووسطها حيث تسلكها آلاف المركبات يوميا ذهابا وإيابا، وفي ذات الوقت باتت المقصد لاعتداءات المستوطنين وعربدتهم.
وبينما كان المواطن بلال أقرع في طريق عودته من مدينة رام الله برفقة شقيقه وزوجتيهما لبلدتهم قبلان الليلة الماضية، تفاجأ بأعداد كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال وباصات يستقلها مئات المستوطنين على مدخل قرية اللبن الشرقية.
واضطر الأقرع للعودة مسافة قرابة نصف كيلومتر والدخول بطريق فرعية تؤدي لمحطة وقود اللبن، حيث احتمى فيها برفقة شقيقه وثمانية مواطنين وزوجاتهم وأطفالهم قرابة نصف ساعة، حتى بدأت ألسنة اللهب تتصاعد من منازل ومركبات قريبة من المحطة، واقتراب أصوات المستوطنين.
ويوضح الأقرع الذي كان يتفقد مركبته التي لم يبقى سوى هيكلها، إنه اضطر برفقة مواطن آخر لترك مركبتيهما في ساحة المحطة، فيما فر ثلاثة آخرون لطريق ترابية تؤدي لمنازل تطل على المحطة، وفر هاربا سيرا على الأقدام بعتمة الليل برفقة شقيقه وزوجتيهما بين أشجار الزيتون والسلاسل الحجرية باتجاه الجبل المطل على المحطة، قبل أن ينتقل لمنزل أحد المواطنين هناك.
يؤكد الأقرع: "شاهدت بأم عيني كيف أحرق المستوطنون السيارتين والمحطة دون أن يحرق الجيش وشرطة الاحتلال الذين كانوا متواجدين ساكنا".
ويضيف: "لم أشهد بتاريخ حياتي مثل هذا الهجوم، تحولت المركبة إلى رماد بما فيها من أغراض وأوراق شخصية، أعداد كبيرة تتجاوز المئات من المستوطنين نفذوا الاعتداء".
ويشدد على أن ما شاهده يؤكد أن جيش الاحتلال حريص على حماية المستوطنين وأن يقتل الإنسان الفلسطيني وتدمر ممتلكاته، فالطريقة التي وصل بها المستوطنون بالحافلات بحماية الجيش والشرطة، ثم الهجوم على الممتلكات، تظهر أنه كان مخططا ومدروسا في ظل حكومة متطرفة تدعو وتوفر الحماية لاعتداءات المستوطنين.
ويتابع: "نجونا بأعجوبة، ما زلنا صامدين ومرابطين وسنقاوم بكل ما أوتينا من قوة".
على غير العادة، اضطر المواطن منير حكواتي الذي يعمل برفقة نجله أمير في محطة وقود اللبن، إلى إغلاقها في الساعة التاسعة والنصف مساء، والعودة إلى منزلهم في بلدة عمورية جنوبا، بعدما سمع بوجود تجمعات المستوطنين على مدخل اللبن.
لكن لم يمض سوى دقائق على وصولهما المنزل، حتى جاء الخبر كالصاعقة: "المستوطنون أحرقوا الكازية"، حاول نجله أمير الوصول للمحطة برفقة شبان قرية اللبن، لكن الاحتلال منعهم حتى تمكن المستوطنون من إحراق مكتب صغير ودكانة ومركبتين متوقفتين بالمحطة تركها الاقرع وفر لينجو من الموت.
ويشير الحكواتي إلى الخسائر قائلا إن المستوطنين دمروا "واجهات زجاجية لمحل ميني ماركت وثلاجة وحطموا المحتويات، كما أحرقوا المكتب الخاص بمحطة الوقود بمحتوياته من شيكات ودفاتر فواتير وذمم والأموال التي تم جمعها خلال اليوم، كما أحرقوا شاشة كاميرات المراقبة والأثاث".
ويؤكد أن ما زاد الوضع تعقيدا أن جيش الاحتلال كان ينتشر على طول الشارع الرئيس ومنع الشبان من الوصول للمحطة، إذ كان يؤمن الحماية للمستوطنين.
يضيف الحكواتي: "حاول المستوطنون إحراق خزانات الوقود لكن يبدو أنهم فشلوا في ذلك، ولو تم ذلك لحلت كارثة على الحي بأكمله".
في الشارع المطل على المحطة أسفل الجبل، تتوقف ثلاث مركبات أمام منزلين، اثنتان محترقتان بشكل كامل والثالثة لحقها الدمار في الإطارات والنوافذ، بينما بدت مشاهد إلقاء الحجارة على المنازل واضحة بنوافذها المحطمة.
صاحب المركبة المحطمة أحمد زيدان وهو من بلدة قبلان، إنه اضطر لترك مركبته والفرار برفقة تسعة مواطنين بينهم أربع نساء وثلاثة أطفال أكبرهم خمس سنوات، نحو حقول الزيتون وحاولوا الابتعاد لحد الأمان.
ويشير إلى أنه أثناء فراره قفز عن سطح برندة منزل قريب من ارتفاع أربعة امتار، وأصيب بكدمات في يده وواصل الفرار، وأنه بعد قرابة ربع ساعة من الاحتماء بين حقول الزيتون حضر أصحاب منزل قريب واصطحبوهم إلى منزلهم.
يتابع زيدان: "أثناء جلوسنا في الجبل، سمعنا أصوات تكسير المركبات وشاهدنا ألسنة النار تشتعل من المركبات".
ويؤكد: "كانت مخيفة جدا، من أصعب الأيام التي عشناها، كانت ليلة رعب على الأطفال والنساء، كان معنا أطفال أعمارهم 4-5 سنوات".
ويقدر زيدان حجم الخسائر التي لحقت به بما لا يقل عن 20 ألف شيقل، جراء تحطيم نوافذ المركبة وتكسير الإنارة فيها وإعطاب إطاراتها، فيما أحرقوا مركبة صديقه ومركبة المواطن محمد صالح من الساوية.
ويقدر المواطن صالح أن شرطة الاحتلال تهاونت كثيرا مع المستوطنين. فأثناء عودتي من عملي في رام الله أجبرنا الاحتلال على سلك طريق سنجل- اللبن (الكوربات)، لكن عند وصولنا للمفرق المؤدي الى الشارع الرئيس المؤدي للبن الشرقية كانت شرطة الاحتلال تتواجد في المكان".
ويتابع: "شرطة الاحتلال لم تمنعنا من إكمال الطريق رغم الخطر الموجود على مفرق اللبن، بل استمر الشرطي بممارسة رياضة الضغط بمنتصف الطريق".
ويضيف "تفاجأنا بقرابة 500 مستوطن وجيش وشرطة على مدخل قرية اللبن، عدنا لمحطة الوقود للاحتماء لكن سرعان ما وصل المستوطنون إلينا، وهربنا إلى المنازل في الشارع الترابي قرب منازل المواطنين، واضطررنا للفرار للجبل".
يؤكد صالح: "عمري 50 عاما، ودائما الساوية تتعرض للاعتداءات، لكن هذه الهجمة كانت شرسة وعنيفة لم أشاهدها من قبل، أعداد ضخمة من المستوطنين والنية القتل".
ويقدر صالح حجم الخسائر التي تكبدها جراء احتراق مركبته بـ150 ألف شيقل.
وقال مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس: "إن 310 اعتداءات للمستوطنين سُجلت منذ أمس في المناطق المحيطة بنابلس".
وأوضح دغلس أن هجمات المستوطنين شملت عمليات حرق منازل ومركبات وأراض زراعية وتخريب ممتلكات، وأن هذه الاعتداءات في تصاعد، إذ تشهد مناطق شمال الضفة انتشارا واسعا للمستوطنين على الطرقات والمناطق التي تحيط بها المستوطنات.
ودعا إلى مزيد من اليقظة والحذر وتفعيل لجان الحراسة، للتصدي لاعتداءات المستوطنين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها