فاطمة إبراهيم

"وضعت رأسها على قدمي فامتلأ جسدي بدمها"، بهذه الكلمات وصف غسان النغنغية مشهد إصابة طفلته سديل (15 عاماً) قبل يومين في ساحة منزلها في مخيم جنين للاجئين.

أصيبت سديل وسط ساحة منزلها بعد اقتحام قوات خاصة لمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين برصاصة في الرأس، وبقيت في العناية المكثفة حتى أعلنت وزارة الصحة استشهادها فجر اليوم الأربعاء.

يصف غسان نغنغية والد سديل تفاصيل إصابتها ويقول: "يوم الإثنين، دخلت قوات خاصة حارة الجابريات المحاذية للمخيم فانطلقت صفارة الإنذار في سماعات المخيم، وعلى صوتها استيقظ أولادي من النوم ومن بينهم سديل، وكأي اقتحام بدأت بتحذير الأولاد من الاقتراب من النوافذ لتفادي رصاص القناصة المنتشرين على البنايات السكنية القريبة من منزلنا".

ويضيف: "نحن نسكن في مكان مطل على عمارات سكنية عالية يعتليها القناصة عند كل اقتحام للمخيم، وأحرص على إبعاد أفراد الأسرة عن النوافذ وأي مكان مطل قد يصل إليه الرصاص، طلبت من سديل عدم فتح النوافذ وحذرتها مراراً، فطلبت مني النزول إلى منزل عمها لتبقى مع قريناتها من بنات عمها".

توجهت سديل إلى ساحة المنزل وقبل وصولها إلى منزل عمها القريب من الساحة فتح والدها النافذة وأوصاها ألا تخاطر مع بنات عمها بالنظر من النوافذ، وقبل إكمال جملته كانت رصاصة قد اخترقت جبينها.

يقول غسان والد الشهيدة: "صرخ شقيقها الأصغر بابا سديل وقعت على الأرض، اعتقدت أنها تعثرت ونزلت مسرعا، وحين وصلت إليها كانت جثة دون حراك".

نُقلت سديل إلى المستشفى دون أن علامات حيوية عليها، وبعد إجراء التدخل الطبي أُدخلت إلى العناية المكثفة موصولة بالأجهزة الطبية، وكان الوصف الطبي لحالتها تهتكا في الجمجمة وتلف الدماغ. بقيت سديل في العناية مدة يومين قبل أن يعلن عن استشهادها اليوم صباحاً.

وقتلت إسرائيل منذ بداية العام الحالي 29 طفلاً فلسطينيا، ووفق تقارير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فإن هؤلاء الأطفال لم يشكلوا أي خطر على جنود الاحتلال، وأن قتلهم كان باستهداف متعمد.

ووثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال استشهاد 23 طفلا فلسطينيا في الضفة الغربية و6 أطفال في غزة منذ بداية عام 2023. و"غياب المساءلة القانونية لإسرائيل وحكومتها هو السبب في استمرار إسرائيل في استهداف الأطفال"، يقول عايد قطيش مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

ويضيف قطيش: "في حالة الطفلة سديل نغنغية، تم إطلاق النار عليها في منطقة لم يتواجد فيها أي اشتباك، وأُطلق عليها من جيب عسكري إسرائيلي يبعد مسافة 150 مترا فقط عنها".

ويؤكد قطيش أن سديل استُهدفت في أكثر مكان كان من المفترض أن يكون آمنا لها وهو منزلها، وتحديدا في ساحة المنزل.

ووفق متابعات الحركة العالمية، فإنه حتى في حالات رمي الحجارة التي تتذرع بها إسرائيل لإطلاق النار على الأطفال الفلسطينيين، فإن بإمكان جنود الاحتلال التصرف بطرق أخرى دون استخدام السلاح.

ووفق الحركة، فإن كل التقارير الدولية التي صدرت عن لجان التحقيق أدانت إسرائيل لاستهدافها المباشر للأطفال.

 يقول قطيش: "لكن المجتمع الدولي لم يقم بأي تصرف لمحاسبة إسرائيل ومحاكمتها على هذه الجرائم ضد الأطفال رغم صدور أحكام في المحاكم الدولية باعتبارها جرائم".

وكانت سديل تستعد لبداية عطلتها الصيفية، قبل انتقالها بداية العام الدراسي الجديد إلى الصف الثامن، واليوم، ودعتها صديقاتها بحمل نعشها والسير فيه في الجنازة التي أقيمت لها في مخيم جنين.

وتقول صديقات سديل، إن تشييع سديل كان بناءً على وصيتها لهن في المدرسة.

ويتابعن: "كل حوارات أطفال المخيم عن الموت والشهادة والاقتحامات الإسرائيلية، بدلا من اللعب والمشاوير، سديل كانت متفقة معنا على أنه لو صار معها أي شيء أن تشيع بمريول المدرسة، وهذا ما صار اليوم".

داخل منزلها في مخيم جنين، تبكي والدة سديل طفلتها الوحيدة، وتقول: "حرموني أن أفرح بها، كانت صديقتي، ومدللة أخوتها الأربعة، يا وجع قلبي عليك يا سديل".