فاطمة إبراهيم

يتجمع عدد كبير من النسوة داخل غرفة صغيرة في منزل عائلة أبو سرية في حارة الهدف بمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، فيما يعلو صوت نحيب من بين التجمع، ويشتد قبل أن يعود ليخمد مرة واحدة.

إنه نحيب أم رائد أبو سرية التي فقدت نجلها قسام أبو سرية (26 عاماً)، يوم أمس الاثنين، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين.

تردد الوالدة المكلومة: "أكلت الصبر بشوكه يما يا قسام، أكلت الصبر بشوكه والله يما"،

بخطوات غير ثابتة تخطو طفلة تبلغ من العمر عاماً واحداً باتجاه جدتها، إنها طفلة الشهيد الوحيدة والتي حكم عليها الاحتلال أن تكبر بدونه. تزوج قسام قبل 3 سنوات ورزق بطفلته أمل قبل عام، ويوم أمس قتله قناص إسرائيلي برصاصة في الصدر حين كان يتواجد في ساحة المخيم وقت الاقتحام.

تحضنها الجدة وتبكي بحرقة وتقول: "لمين تركت بنتك يا قسام، ما بكفي إنه راح أخوك زينة الشباب مصطفى، ليش يما تركت بنتك ورحت معه يما ليش".

ويوم أمس اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين منذ ساعات الفجر، بالآليات العسكرية مدعومة بطائرات الأباتشي جواً، وانتشر القناصة على المباني في الحارات والأحياء السكنية، في اقتحام وصفه أهل المخيم بأنها الأعنف خلال هذا العام.

في غرفة المنزل الضيقة يخيّم حزن رهيب على النساء المعزيات، تتحدث إحداهن عن قدر أم رائد المرير، التي كتب عليها أن تفقد اثنين من أبنائها شهداء، فقسام هو الشقيق الأصغر للشهيد مصطفى أبو سرية الذي استشهد عام 2001، تقول جارة أم رائد: "مسكينة لم يبق في عيونها دموع، ولم يبق في حضنها أولاد".

وتضيف: "هي أم الشهيدين مصطفى وقسام، لكنها أيضاً فقدت ولدها الأكبر قبل 3 أشهر فقط، كيف سيتحمل قلبها كل هذا".

أمام منزل عائلة أبو سرية يقف عم الشهيد محمد أبو سرية ولسانه لا يكف عن الترحم على قسام وأشقائه. يقول: "نحن محتسبون أمرنا عند الله، لكن الألم لا يحتمل، والفقد كبير.. ما ذنب طفلة بعمر عام واحد أن تكبر بدون أب، وما ذنب هؤلاء الأطفال ليعيشوا القتل والدمار والاقتحام بشكل شبه يومي".

في الوقت ذاته، وعلى مقربة من بيوت عزاء الشهداء، ومن أمامها، كان المشيعون يشيعون جثمان الشهيد أمجد الجعص الذي استشهد صباح اليوم متأثراً بإصابته برصاصة في الخاصرة يوم أمس.

يقول شقيقه أحمد إنه أصيب برصاص قناص إسرائيلي حين كان يحاول اصطحاب أبنائه من المدرسة، وإنه نقل إلى مستشفى رفيديا في نابلس وأصيب بنزيف حاد في الكبد وظل في غرف العمليات حتى العاشرة من مساء أمس.

يقول أحمد الجعص شقيق الشهيد: "جسمه ما تحمل كل هذا النزف، عند فجر اليوم اتصل بنا المستشفى وأبلغنا باستشهاده"،

وأوضح الجعص كيف استشهد شقيقه: "بعد توسع الاقتحام قرر أخي أمجد الذهاب لمدرسة الوكالة لمرافقة أبنائه وتأمين وصولهم للمنزل، كان يخاف أن يصابوا بأذى أو أن يصلهم الرصاص، لكن قناصا إسرائيليا قتله وحرم أطفاله منه".

ولحق أمجد الجعص بولده الشهيد وسيم الجعص (18 عاما) الذي استشهد أيضاً داخل مخيم جنين خلال اقتحام لقوات الاحتلال في الثامن والعشرين من كانون ثاني/يناير الماضي.

يقول والد الشهيد أمجد الجعص: "ودعت الابن والحفيد، والحمد لله رب العالمين، الفقد صعب وأنا فقدت اثنين مش واحد، يمكن كان لازم هم يدفنوني، أنا دفنتهم الاثنين وبنفس السنة، لكن الحمد لله على كل حال".