وافقت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على طلب وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير على تأسيس "الحرس الوطني"، المبرر العلني هو دعم وحدة حرس الحدود والشرطة ورفدها بقوة إضافية، أما هدف بن غفير فهو تشكيل مليشيا لقمع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفي القدس المحتلة والضفة. أما المعارضون للحكومة فيرون في هذا التشكيل الأمني الجديد مليشيا قد تستخدم لقمع الرأي الآخر. ومع تأسيس "الحرس الوطني" قد تعود فيها إسرائيل إلى مرحلة ما قبل إنهاء بن غوريون لظاهرة المليشيات عام 1948 بعد أن دمجها كلها بجسم الهاغاناة ومن ثم بجيش الإسرائيلي، ففي حين كانت الهاغاناة القوة العسكرية والأمنية الرسمية للوكالة اليهودية، فإن اليمين المتطرف في حينه كان لديه عصابات تعمل بشكل مستقل مثل عصابات "الأرغون" و"شتيرن" و "بيتار"، و"إيتسل"، وهي العصابات التي ارتكبت العديد من المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
على أية حال تشكيل مليشيات مسلحة موازية للأجهزة الأمنية الرسمية هو إحدى الخطوات التي تتخذها القوى الفاشية بهدف إخافة كل من يعارضها، هكذا فعل النازيون بزعامة هتلر في ألمانيا والحزب الجمهوري الفاشي في إيطاليا بزعامة موسوليني. الحكومة الإسرائيلية الفاشية تكرر الخطوات ذاتها التي قام بها الفاشيون عبر التاريخ، ما يؤكد أن تأسيس الحرس الوطني وإن كان في ظاهر مبرراته قمع الشعب الفلسطيني، فإنه سيكون أداة القوى الفاشية الإسرائيلية للهيمنة على الداخل الإسرائيلي، ومع هذا التطور يمكن أن تصبح إسرائيل دولة شمولية حتى لو جرت فيها الانتخابات بشكل منتظم فاليمين الفاشي إن استطاع الهيمنة على الدولة يمكنه الفوز بالانتخالات لدورات متعددة.
لقد لاحظ بن غفير أنه لا يمكن أن يتحكم هو بجهاز الشرطة وأن يديره على هواه، وأن يأمره لينفذ مهام تحقق أهداف اليمين المتطرف، وبالتالي أراد تأسيس مليشيا يشرف عليها هو شخصيًا وتأتمر بأوامره، وبهذا المعنى سينهار في إسرائيل منطق حكم القانون والمؤسسات، وسيحكمها أشخاص يضعون أنفسهم فوق القانون. ومن يتابع تصرفات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة يلاحظ أن كل ما يحاولون عمله هو سن قوانين تمنحهم سلطات شخصية أكبر وتمنع محاسبتهم بتهم بالفساد من خلال سيطرتهم على الجهاز القضائي.
من دون شك أن إسرائيل تمر بمرحلة حساسة إما أن تأخذها نحو دولة قانون الغاب، أو أن تتخلص من قوة ونفوذ القوى اليمينية التي تتحكم بالدولة منذ أكثر من عقدين، وإذا ما تخلصت من هيمنة هذه القوى الفاشية، فإنها قد تبدأ بنفض عنصريتها ونزعة التوسع والاحتلال عنها، فالمعركة التي يخوضها الليبراليون واليساريون ضد الفاشية ستترك أثرها في وعيهم ووعي الرأي العام الإسرائيلي. خصوصًا عندما يدرك هؤلاء أن المستوطنات قد تحولت وكرًا لهذه القوى الفاشية، وأن المستوطنين هم في واقع الأمر مليشيا مسلحة يحاول بن غفير منحها الشرعية لتكون أداة قمع متوحشة حتى ضد اليهود أنفسهم. الدليل على ذلك أنه في مظاهرات السبت الماضي بدأنا نسمع خطباء في المظاهرات يتحدثون عن الاحتلال بأنه أحد الأسباب الرئيسية التي أوصلت إسرائيل إلى هذه اللحظة الحرجة وأن تصبح عرضة لهيمنة القوى الفاشية. وقد نقرأ في المستقبل أن تأسيس "الحرس الوطني" كان هو الشعرة التي قصمت ظهر إسرائيل وتحولت معه إلى دولة شمولية لا يمكن وصفها ديمقراطية.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها