ألاحق الزهرة الملكية (سوسنة فقوعة) منذ سنتين في أراضي القرية الوديعة المتربعة على عرش (جبال فقوعة) التي تحمل اسمها وترتفع عن سطح البحر 420 مترًا، ويقولون عنها في الأمثال الشعبية: "القمر ميل على فقوعة"، فذهبت لأحظى بصور تليق برمزيتها الوطنية لفلسطين، بقرار رسمي من مجلس وزراء الحكومة الفلسطينية منذ حوالي 7 أعوام، فسوسنتنا لا تنبت في أي مكان في العالم إلا هنا، وتتميز هذه الزهرة الفلسطينية النادرة بشكلها ولونها البنفسجي القاتم، وإلى جانبها زهرة نادرة باللونين الأبيض والأصفر، واللافت فيها طول وحجم بتلاتها الزهرية .. وللمرة الثانية وبسبب معلومات خاطئة مكتوبة في بعض المصادر لم أحظ بصورة من الفردوس المرسوم في مخيلتي، لأسباب عدة منها مشارفة موسم أزهار السوسنة على الانتهاء، علاوة على أحوال الطقس غير المناسبة للتصوير، لكن الأخ منير بركات المحاسب في مجلس قروي فقوعة الذي قصدناه لسؤال المشرفين على إدارة القرية، وللاستدلال على أماكن نموها، أكرمنا ومعي الصديق وجيه الطميزة الذي أكرمني بسفر دام 8 ساعات في جنة فلسطين انطلاقًا من رام الله إلى جنين وفقوعة وطولكرم في عز ربيع جنتنا الدنيوية فلسطين.
لاحظت أن السيد بركات كان مهتمًا وحريصًا على تمكيننا حتى ولو في أماكن خاصة ما زالت بعض السوسنات تبث فرحها بالحياة بلون وشكل لا مثيل لهما من بين عشرات آلاف أنواع الزهور التي تنبت على وجه الأرض، أو ما زالت أنواء الحياة الطبيعية تمنحها سر بقاء جذورها وبذورها الأزلي رغم عمرها القصير نسبيًا، وقد نفيكم بعضًا من العلم بأن فلسطين قد تكون في المرتبة الأولى في العالم من حيث التنوع الطبيعي فيها، رغم مساحتها مقارنة مع أراضي دول كبيرة غنية بالتنوع البيئي أيضًا. وبالاطلاع على الصور والمعلومات الهامة في كتاب أصدره مجلس قروي فقوعة كان هدية ثمينة بالنسبة لي – نتمنى إصدار مثيل له من كل بلدية مدينة ومجلس قروي – تبين لنا الجمال الفائق الذي قد لا نلحظه في وقت قصير أو بزيارة واحدة أو لمنطقة واحدة في أرض القرية، وتحديدًا فيما يتعلق بالطيور والفراشات، والحيوانات النادرة، وأنواع النباتات البرية والصباريات، ويوم أمس فقط علمت بشهرة (صبر فقوعة) الأخضر ذي الطعم الحلو.
الكتابة عن تاريخ فقوعة، وميزات موقعها، وواقعها، وطموحات أهلها، ومن يمثلهم يتطلب أضعاف هذه المساحة، لكن العاشق لأرض الوطن فلسطين، والمحب لبلاد العرب، يستطيع من ذروة جبل هذه القرية الكنعانية (فقوعة) التي تتوسط المسافة ما بين جنين في جنوبها الغربي وبيسان في الشرق، رؤية جبال عجلون، وقلعة صلاح الدين الأيوبي في أعاليها، ورؤية قمة جبل الشيخ الواقع على حدود فلسطين وسوريا ولبنان، وجبل الطور وجبال الجليل في الناصرة.
سيطر الغزاة المحتلون الصهاينة على أكثر من 27 ألف دونم من أراضي القرية الغنية بينابيع المياه الباردة العذبة وكذلك الساخنة، ورغم ذلك فقد لفت نظري سعة ونظافة ورتابة شوارعها، قبل قراءتي للمثل الشعبي: "فش أوسع من شوارع فقوعة" وكأن القرية تستعد لأن تكون مقصدًا للسياحة الداخلية ولم لا للسائحين من الخارج الذين يرغبون برؤية رمز فلسطين الوطني البيئي "سوسنة فقوعة" على أرضها وبمكانها الفريد في العالم، ونعتقد أن تضافر جهود الوزارات المعنية كالسياحة والآثار، والزراعة، والإعلام، والثقافة مع وزارة الحكم المحلي، مع جهود مؤسسات إعلامية وثقافية مهمتها الحفاظ على الإرث التاريخي للشعب الفلسطيني والآثار الشاهدة على جذوره التاريخية، نعتقد بأثرها البالغ على تزهير معاني الانتماء لأجيالنا، حتى لا يجف ولا ييبس تحت وطأة جنازير جرافات المشروع الاستيطاني الصهيوني الاحتلالي العنصري، فلمس جمال طبيعة الوطن بالحواس مباشرة، له أثرعظيم يساوي أثر الشعر والأدب وكل المعارف التي يتلقاها إنسان الوطن في حياته، فالمرء يتلقى معاجم وكتب معرفة عن وطنه في كل مرة يسافر في أرجائه، على جناح الحب، وما فقوعة إلا مثال على قرية وبلدة ومدينة من أرض وطننا المقدسة، يمكننا أن نحولها إلى مدرسة لتجذير الانتماء الوطني في الهواء النقي، بلا أسوار وجدران وأبواب فولاذية.
وأخيرًا.. هذه نصيحة لكل أولياء الأمور الآباء والأمهات وأساتذة الجامعات والمعلمين في المدارس والمربين، ولأصحاب مكاتب السياحة الداخلية، والنوادي الرياضية والاجتماعية، وكل من يعنيه أمر ما سنكتبه هنا: "خذوا أولادكم وتلاميذكم ومنتسبيكم والموظفين من الجنسين في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أيضًا إلى ربوع وطنهم، دعوهم يتحسسون ويلمسون جماله الرائع بأبصارهم، ويُنَعِمون بصيرتهم بلوحات طبيعية عناصرها الجبال الخضراء والوديان والسهول المزهرة، ولعلهم يفترشون لنفوسهم سجادة راحة نفسية وإطمئنان على مستقبلهم – رغم الاحتلال والاستيطان – على أرض وطنهم فلسطين، ففي الربيع وكل المواسم كما أعتقد إذا أردت رؤية نسخة من الجنة، فاحزم بصرك مع فرحك ومرحك الربيعي، وتوكل على الله وسر أينما شئت فإنك ستراها هنا على أرض فلسطين، ما بين نهرها وبحرها والجليل والنقب.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها