ليس مقبولاً من قصار النظر والرؤية الاشتغال في نشر الشائعة المصممة في مختبرات أجهزة استخبارات منظومة الاحتلال، وتقديم الخدمات المجانية في دفع الناس نحو اليأس، والأفظع من ذلك رسم هوة فاصلة بين الجماهير الفلسطينية، والنظام السياسي الفلسطيني، القائم على أساس مبادئ وأهداف حركة التحرر الوطنية الفلسطيني، أي ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، فهذه الهوة شبيهة بتلك التي يبدع الهواة والمحترفون على حد سواء في رسمها بالفحم (الأسود والأبيض) أو بالألوان، فيتهيأ للناظر دون تدقيق أنها حقيقية، فالفجوة في الصورة أو اللوحة التي تبدو بأبعادها الثلاثية غير الواقعية شبيهة بتلك التي يسعى البعض لتصويرها، وتكثيف زخمها بتبهيرها، وإبهار المتلقين بإلقائها في الجلسات العامة والخاصة، وإذا سألته عن مصادره، فتأتيك الإجابة أشد وطأة وأخطر مما يطرح الفاقد للحقائق والحيثيات والموضوعية.
لا نقبل انسياق المواطن وراء الدعاية والإشاعة والحرب النفسية، وأزلام الطابور الخامس المقنعين بأسماء ومراتب ومكانة ما في المجتمع، فكيف سنقبلها من مواطن مسؤول يفترض حسب - المهمة الوطنية المكلف بها، وموقع الثقة الممنوح له من الجماهير، فإذا بررنا للمواطن العادي البسيط انسياقه على غير دراية بسبب جهل أو ضعف اطلاع أو قدرة على تحليل الشائعة أو الدعاية المضادة لكل ما هو وطني، فكيف سنبرر للمواطن الذي في موقع المسؤولية ترديد نسخة طبق الأصل عما سمعه من غير المصادر الرسمية التي بإمكانه بحكم الصلاحيات الممنوحة له سؤال جهة الاختصاص للاطلاع على الحقائق، ومناقشة المعنيين بموضوعية حول ما يدور على ألسنة بعض العامة في الشارع، والبحث بإخلاص مع جهة الاختصاص عن مصدر الرواية المزيفة أو الإشاعة، أو الدعاية، التي غالبًا ما يتم نشر فيروساتها عبر فضاءات افتراضية (منصات التواصل الاجتماعي) التي باتت السلاح الأمضى لجهاز الحرب النفسية لدى منظومة الاحتلال الفاشية، لتحقيق أهداف أشمل وأكثف وأسرع لحملاتها المبرمجة، ويجب ألا يغيب عن بالنا أن ضعاف النفوس والمتمترسين بخندق العدائية المطلقة للوطنية الفلسطينية، ومعهم أصحاب الأجندات الفئوية الضيقة، المحكومون بموقف الضد، مهما كانت الأحوال والظروف والمتغيرات. وهنا لا بد من التأكيد على انعدام أي مبرر لهؤلاء الذين يرددون الشائعات فالمواطنون العاديون يصدقونها عندما يسمعونها منهم ويأخذونها كمعلومات موثوقة، وبذلك تتحقق أهداف خطط منظومة الاحتلال، بوتيرة أسرع، وبكل أسف بسبب جهل أو استفحال الأنانية، أو لاحتلال موقع بطولة وهمي على حساب دمار الوطن ومؤسساته، ومشروع الشعب الفلسطيني. فهؤلاء أخطر على الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني من المحتل والمستعمر الصهيوني الإرهابي العنصري الفاشي.
شتان ما بين المعارضة الوطنية الموضوعية، وبين الانزلاق في تأكيد وتثبيت الشائعة ودعاية منظومة الاحتلال الإسرائيلي والمرتبطين بها لتنفيذ دورهم في القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني، أو المفعمين بالنظرة قصيرة المدى، الذين يرون سقوط المشروع الوطني مصلحة ذاتية وفردية وفئوية، وشتان بين مناقشة الوقائع والحقائق بعقلية وطنية وانفتاح على مبدأ تصويب الأخطاء وبين الجلد عن قرب وعن بعد دون تحقق تجتمع فيه عناصر الالتزام الوطني والمهنية والحرص على تماسك الجبهة الفلسطينية الداخلية، ومنع العدو من تحقيق اختراقات، تؤدي بشكل أو بآخر إلى تحفيز العدائية، وتغليبها على المصلحة الوطنية الفلسطينية.
لقد مررنا بسنوات مريرة سبقت انقلاب حماس على المشروع الوطني ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وحتى على قيم وتراث الشعب الفلسطيني الأخلاقي علاوة على تاريخه وحاضره ومستقبله، وكانت الدعاية الخارجة من مختبرات الاحتلال بمثابة الزيت والوقود لمحرك وسائل المعادين للمشروع الوطني ولحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وزاد عليها اندفاع الشامتين، والذين فشلوا في تحقيق مكاسب مادية، أو الفوز بمواقع ما، فهؤلاء جميعا ساهموا في تهيئة عدائية جعلت المسلح يقتل أخاه الفلسطيني وهو يعلي صيحة الله اكبر، أو يقول آخر إنه قتل عميلا، وكل ما في الأمر أن الضحايا هم أبناء شعبنا معظمهم كانوا شبانا في انتفاضة الحجارة، ومنتسبين للأجهزة الأمنية التي كان كما استخلصنا من التجربة الدموية سنة 2007 أن رأس المؤسسة الأمنية الفلسطينية كان مطلوبًا باعتبارها مؤسسة وقاعدة للاستقرار والبناء، تمامًا كما يحدث الآن بعد حوالي ست عشرة سنة حيث نلمس يوميًا كثافة حملة التشكيك في أداء المؤسسة الأمنية وفلسفتها الوطنية، وتصويرها وكأنها في الجهة المقابلة للشعب، وهذا الطرح كاف لمنظومة الاحتلال إسرائيل، لتسهيل مهمة ضرب مقومات السلطة الوطنية الفلسطينية عمليًا، وعدم الاكتفاء بالحصار من كل النواحي، كما يخدم هذا الطرح اللامسؤول المتهيئين للانقضاض على المشروع الوطني في ثاني مراحل كسر وتدمير أركان النظام السياسي الفلسطيني الوطني.
أخيرًا، دعونا نضع بين أيديكم رؤية الإرهابي عضو الكنيست ورئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، قبل ثلاثة أيام فهو القائل: "إن فلسطينيي الداخل يشكلون تهديدًا على "إسرائيل" أخطر وأكبر من التهديد الإيراني.. فتهديد إيران خارجي وله عدة أوجه وسيناريوهات أما تهديد المواطنين العرب فهو تهديد داخلي أكثر خطرًا وتعقيدًا في ظل الصحوة الوطنية التي يشهدها الفلسطينييون". ونعتقد أن رؤوس المنظومة الصهيونية الإرهابية العنصرية يدركون جيدًا ما يقصدون عندما يقولون إن "سيادة الرئيس محمود عباس أخطر فلسطيني على وجود إسرائيل".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها