يبدو أن النخب السياسية الفلسطينية لم تستخلص عبر ودروس التجربة المعاصرة مع دولة المشروع الصهيوني الفاشيةـ ومازال البعض منها ُيمني النفس بامنيات لا أساس لها في الواقع، وبعض آخر روض الذات وفصلها على مقاس الواقع وتعقيداته، وبعض ثالث إستحسن سياسة هبة ساخنة وعشرة باردة، وبعض رابع ظل غارقًا في دوامة الشعارات العنترية دون طحن، وبعض يدور في حلقة مفرغة، يراوح في ذات المكان، رغم أنه يصدر بين الحين والآخر مواقف سياسية ساخنة، لكنه لا يقوى على المبادرة، وتحمل المسؤولية، والكل يعيش في دوامة الانقسام والتشرذم، والدعوات المتواصلة للحوار، مع أن الجميع عائد من لقاء الجزائر، ودلت أوراق العمل على أن حركة "حماس" ترفض من حيث المبدأ الحوار والشراكة الوطنية، وتُصر على البقاء في دوامة مشروعها وامارتها التي تتناقض مع المشروع الوطني.
الساحة الفلسطينية تعيش لحظة معقدة من الإرباكات والأزمات العميقة، مع أن لديها العديد من أوراق القوة التي تؤهلها لقلب كل المعادلات السياسية داخل إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وتربك الولايات المتحدة واتباعها في المنطقة، وكل الإقليم الشرق الأوسطي من ألفه إلى يائه. لكن غياب الإرادة السياسية، والغرق في سياسة الانتظار والمراوحة في المكان، وتفصيل الذات على مقاس الجلباب الإسرائيلي الأميركي حال ويحول دون استعادة زمام المبادرة، وحشر الآخرين وخاصة حكومة نتنياهو السادسة في زواياهم المظلمة.
مع أن حكومة إسرائيل الفاشية الحالية كل يوم تتخذ خطوات علنية وصريحة، ولا يشوبها أي التباس أو غموض ضد الشعب الفلسطيني من حيث عمليات القتل والاعتقال، وسن القوانين العنصرية الإجرامية ومواصلة القرصنة على المال العام الفلسطيني، واقتحام الأقصى، والاعلان عن تشريع وتوسيع البؤر الاستيطانية العنصرية، وتهديد ووعيد كل ساعة ويوم ضد القيادة الفلسطينية كونها تدافع عن بعض الحقوق الوطنية. وبالتالي لم يبق على العين الفلسطينية "قذى" حتى ترى دون مجسات او عدسات مكبرة جرائم دولة الاستعمار الإسرائيلية وحليفتها الاستراتيجية في واشنطن، وحلفائها الجدد من عرب منتدى النقب.
والأدهى وأمر، أن بعض السياسيين يسقط في دوامة الوهم، عندما يروج بضاعة خاطئة ومشروخة، بالقول: أن الدول العميقة في إسرائيل وواسنطن وأوروبا تريد بقاء السلطة الفلسطينية. ولكن هذا البعض لم يسأل نفسه، أي سلطة التي يريدها صناع القرار في تلك الدول، هل يريدون سلطة وطنية سيدة على ترابها الوطني، وتدافع عن أهداف شعبها ومصالحه، أم سلطة طربوش، لا حيلة لها، ومجرد اسم لا أكثر ولا أقل؟ وإذا كانوا يريدون بقاء السلطة، هل اعترفوا بالدولة الفلسطينية، ووافقوا على رفع عضويتها لمكانة دولة كاملة في الأمم المتحدة؟ هل حافظوا على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟ أو هل أرغموا إسرائيل على وقف انتهاكاتها وجرائمها أحادية الجانب؟ وهل حاولوا أن يضغطوا على حكومة نتنياهو وقبلها حكومة بينت ولبيد وغانتس لوقف جرائمهم؟ هل سمحوا بإصدار مجرد إصدار بيان من مجلس الأمن ضد حكومة نتنياهو واقتحام فاشيوها لأولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وهل ضغطوا على إسرائيل للسماح لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في القدس العاصمة الفلسطينية، أم صمتوا صمت أهل الكهف؟ وهل لوحوا مجرد التلويح بفرض عقوبات على دولة التطهير العرقي الإسرائيلية لالزامها بما تم الاتفاق عليه بينها وبين قيادة منظمة التحرير؟ وهل سيسمحوا بإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ وهل طالبوا إسرائيل بإلغاء قوانينها العنصرية وخاصة "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" الصادر في 19 تموز / يوليو 2018؟ وهل فعلاً هم ضد صفقة ترامب، أم أنهم جميعهم يعملون بخطى حثيثة لترجمتها وتوسيع نطاقها، وتصفية القضية الفلسطينية، وإعدام السلام؟
أي سلطة وطنية يريدون؟ أنهم يريدوننا مجرد أداة في خدمة المشروع الكونيالي الإجلائي الإحلالي الصهيوني، لا أكثر ولا أقل، يريدوننا اقل من إدارة مدنية، وليس حكم ذاتي، لا يريدون لنا لونًا أو رائحة، ولا أقول هوية وطنية. وبالتالي على الجميع الوطني الكف عن الركض في متاهة الضياع، والعمل على استعادة زمام المبادرة، والخروج من نفق المراوحة، ولدى القيادة أوراق عديدة تستطيع أن تستخدمها فورًا إن شاءت. ومرة أخرى اود التأكيد على مقولة قالها غيري، وقلتها أيضًا مرت عديدة: إما أن نكون أو لا نكون، وسنكون كما نريد شاء من شاء وأبى من أبى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها