في الصيف الماضي إتخذت "حماس" موقف الحياد تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستمرت المعركة بين قوات الاحتلال، وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الاسلامي عدة أيام، دون أن تقرر حماس التدخل. ولكن الملفت أكثر أن "حماس" لم يهزها الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك، وآخرها اقتحام وزير الامن الداخلي الإسرائيلي الفاشي "بن غفير" الذي حمل مدلولات الأكثر خطورة، والتي تهدد فعلاً تقسيم الأقصى زمانيًا ومكانيًا، وربما أكثر من ذلك، كما لم تكترث حماس لحملة التصعيد الإسرائيلي الخطيرة في الضفة والقدس الشرقية، والذي ارتقى خلالها 232 شهيدًا، بالاضافة للنشاط الاستيطاني والتهويدي المحموم.
وإذا نظرنا إلى ردات فعل"حماس" على كل هذه التطورات لوجدناها ردات فعل هادئة أقرب إلى الصمت منها للقول، والفعل الحقيقي، بالتأكيد أن أحدًا لا يدعو "حماس" للدخول في مغامرة لن تجلب للشعب الفلسطيني سوى مزيد من الدم والدمار دون أن يتحقق مكسب وطني واحد. في كل معارك حماس، منذ أن سيطرت على قطاع غزة عام 2007، فقد الشعب الفلسطيني 4140 شهيدًا، منهم مئات الأطفال، وجرح 23550 الغالبية الساحقة منهم مدنيون من الأطفال والنساء، كما دمرت آلة الحرب الإسرائيلية كليًا أو جزئيًا أكثر من 100 ألف منزل بالإضافة إلى خسائر بمئات الملايين من الدولارات في البنى التحتية، والتي هي هشة أساسًا في قطاع غزة.
كان يمكن تبرير هذه الخسائر الفادحة لو تحقق لشعبنا الفلسطيني إنجاز وطني واحد، كفرض شرط وقف الاعتداءات على المسجد الأقصى، حتى الحصار الإسرائيلي على القطاع لم ينته، ولكن "حماس" وحلفاءها الإقليميين هم وحدهم من جنى الفوائد والمغانم وليس شعبنا الفلسطيني، بل أن جماهير غزة تحديدًا دفعت الثمن الأكبر من ما جنته "حماس" لنفسها من فوائد سياسية ومالية. والسؤال لماذا تركت قيادت "حماس" قطاع غزة، واختارت عيشة الرفاهية، والبذخ في بعض عواصم دول المنطقة؟ كان هناك عدد ليس قليلا من قيادات "حماس" في الخارج يكفي ويزيد لتحقيق التواصل السياسي، أمثال خالد مشعل، موسى ابو مرزوق، أسامة حمدان، الرشق، وعشرات آخرين من هذه القيادات، فلماذا تركت قيادات "حماس" القطاع، ولماذا لم تعد إليه، واختارت البقاء في الخارج؟
همس لي صديق مطلع بالمعلومة التالية، قال: إن قيادات "حماس" وبنصيحة من دول إقليمية، خرجت لتتلقى تدريبات خاصة في العمل السياسي، والدبلوماسي، على أيدي خبراء، والتدريب بحد ذاته ليس الهدف، إنما الاحتواء والترويض، والتماشي مع السياسة الدولية. هكذا تم التعامل مع عدد من قيادات حركة طالبان الأفغانية تمهيدًا لإعادتها للسلطة بعد الانسحاب الاميركي.
ربما هذا ما يفسر صمت "حماس" رغم كل هذه الانتهاكات والاعتداءات والجرائم الإسرائيلية ...!! وتصرفها الذي يبدو هادئًا ومتوازنًا، فهذا يعني أنها ماضية في مسار الاحتواء برضاها، وقبولها التام. وتاريخيًا، لو تتبعنا خطوات "حماس" التي تدخل في إطار " المقاومة " لم تكن ولا مرة بهدف تحقيق هدف وطني فلسطيني، كانت غالبًا ما تتم بطلب دول، وقوى إقليمية، بهدف تعزيز مكانة هذه الدول الاقليمية والدولية، وبما يتعلق فيها، كان لها هدفان، الأول تقديم نفسها بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، وفي السياق العام الأوسع، تعزيز مكانة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، والعالم على حساب الدم الفلسطيني، أما الهدف الثاني، فهو مالي، فعلى حساب الدم، ومعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، كانت "حماس" وجماعة الاخوان تجني مئات ملايين الدولارات تبرعات ومن اموال الزكاة، لم ير منها المواطن في غزة شيئًا بل كانت مأساته تتعمق.
على أية حال، ما نلمسه من تصرفات لحماس، هو امتداد لدور جماعة الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن العشرين، وحتى إنتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات، عندما كانت جزءًا أساسيًا من الحروب السرية لوكالة المخابرات الأميركية CIA على امتداد العالم في مواجهة التمدد الشيوعي ونفوذ الاتحاد السوفياتي في حينه. وكانت جماعة الاخوان، وفي نظر حركات التحرر العالمية تصنف كقوة رجعية ضمن المعسكر المعادي للثورة والتقدم.
"حماس" منشغلة في عملية إعادة التأهيل والاحتواء لتصبح حركة مقبولة على الساحة الدولية تمهيدًا لعقد صفقة مع إسرائيل لإنشاء دولة هزيلة في قطاع غزة تكون هي الدولة الفلسطينية، على حساب تصفية القضية الفلسطينية. إذا كان هذا هو بالفعل السبب وراء صمت "حماس" وهدوئها فعلى شعبنا الفلسطيني أن يسائل هذه الحركة، التي تستخدم الدين وشعار المقاومة، وتستخدم القضية الفلسطينية، والدم الفلسطيني، لتحقيق أهداف ليست وطنية، وأن يضع لتطلعاتها الأنانية حدًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها