أبدأ نهاري مبكرًا بمتابعة نشرات الأخبار في المحطات المختلفة والمتناقضة إلى أن يبدأ برنامج صباح الخير على محطة تلفزيون فلسطين، من خلاله أتابع ما يجري في بلاد ترنو اليها أفئدة ملايين من شرِّدوا منها بفعل الاحتلال، ليشاركوا الصامدين على أرضها تفاصيل حياتهم، وينجح هذا البرنامج الصباحي في تمكيني من العيش الواقعي لمعاناة الأهل تحت الاحتلال، والاطلاع على مبادرات إبداعية وثقافية، وانتظر إطلالة فايز عباس، في مراجعته للصحف الإسرائيلية، فيكتمل المشهد عندي للأحوال في فلسطين من النهر للبحر.
هذه الأيام، أعيش من خلال هذا البرنامج موسم قطف الزيتون في مناطق متعددة من فلسطين، من خلال بث مباشر من الأرض وخاصة الأكثر عرضة لاعتداءات المستوطنين الذين يحميهم آلاف الجنود المدججين بالسلاح، الذين يحولون هذا الموسم من موسم فرح وبهجة، تشاركي بين كل افراد الأسرة والقرية بما فيها المجاورة، إلى موسم قهر ومعاناة.
في العالم، وخاصة في الدول المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط، يتمكن المزارعون من العناية بشجر الزيتون على مدار العام وفق أحوال المناخ، وفي موسم القطاف يرقصون ويغنون ويحتفلون، ويقيمون المهرجانات ذات الطابع الفلكلوري، يسعدون بإنتاجهم للزيتون والزيت، الذي يشكل مصدر دخل لهم ولدولهم، إلا في فلسطين التي يغطي شجر الزيتون مساحات واسعة منها منذ آلاف السنين، وكان ولا زال مصدر دخل لأصحاب الأراضي وعمال القطاف، وينتظره أصحاب المعاصر، وكثير من العائلات التي تستخدم مخلفات العصر "الجفت" كبديل للحطب للتدفئة والطبخ واحيانا انتاج الطاقة البديلة، فدولة الاحتلال صادرت مساحات واسعة مزروعة بالزيتون، ولا زالت تفعل ذلك كل يوم، وينطلق المستوطنون لسرقة الكثير من الإنتاج ويقومون بقطع الأشجار، وإقامة بؤر استيطانية تنغص حياة المزارعين، وتمنعهم من الوصول الى أراضيهم، فيتحول الموسم الى صدام دام في أماكن كثيرة، في معارك يومية، ولعل ما عرضه تلفزيون فلسطين من فزعة النصرة للمزارعين في جبل صبيح وقرى بيتا وغيرها، تدلل على مدى الاستعداد لخوض معركة الدفاع عن الأرض وشجر الزيتون بالصدور العارية، ومهما كانت النتائج والمخاطر الكبيرة.
حكومة بينيت العنصرية، تعلن بوقاحة وفي عواصم عربية، أن لا لإقامة دولة فلسطينية، ولا حلول في زمنها، تحمي المستوطنين وتجعل من معركة موسم قطف الزيتون نموذجا لما تخطط له للتعامل مع الفلسطينيين، سيطرة وقهر ووحشية، بينما عواصم عربية تشجب وتستنكر دون ان يقترن هذا الشجب بأي فعل، فيتحول هذا الشجب بالواقع إلى ضوء أخضر، كذلك تفعل دول كثيرة، لا تقرن موقفها الرافض لإجراءات الاحتلال بأي إجراء يجعل الصهاينة يراجعون أنفسهم.
قدر الشعب الفلسطيني أن يقاوم بكل ما يستطيع من قوة وإرادة، دون يأس، ففي التاريخ عبرة، كم خُذل وترك وحده لمواجهة العدوان، ولكن في نفس الوقت، كم هبت دول وقوى وشعوب لنصرته، إنه في نهاية المطاف المنتصر، والاحتلال الى زوال.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها