عديدة ردود الفعل المحلية والعربية والإقليمية والدولية على المواجهات الجارية في العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المحتلة، القدس، بيد أن رسالة واحدة استوقفتني، وارتأيت الكتابة عنها لأهميتها، وأهمية من كتبها، إنها رسالة منظمة الشباب اليهودي الأميركي المتعاطفة مع حقوق الشعب الفلسطيني (If Not Now) التي حددت ما جرى ليلة الخميس الجمعة الماضية بمثابة "مذبحة"، وتساءلت ماذا يمكننا أن نسمي مئات الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين يسيرون في الشوارع، وهم يهتفون "الموت للعرب"، ويهاجمون الفلسطينيين القريبين؟" ومع ذلك جاء الرد من قبل أجهزة الأمن القمعية الإسرائيلية بأن صوبت نيران أسلحتها وقنابل الغاز المسيلة للدموع وقنابل الدخان إلى صدور الفلسطينيين العزل، بدل أن تفرق قطعان المستعمرين!!

وأضافت المنظمة الشبابية اليهودية، أنها على يقين، من أن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية قد يدين ما حدث في القدس، على اعتبار أنه عمل جماعات يهودية متطرفة، وليس نهجًا صهيونيًا مدروسًا مُعدًا سلفًا ومخططًا له بالتنسيق معها، ووفق الأجندة الصهيونية. وأن الأمر لا يعدو كونه ردة فعل على مقاطع فيديو "تيك توك" لفلسطينيين "يعتدون" على اليهود، و"يصورون ذلك باعتباره جزءًا منعزلًا وهامشيًا، وغير مرتبط بالمخطط الإجرامي الصهيوني".

وتابعت الرسالة في فضح وتعرية الرواية المزورة للحكومة الإسرائيلية وأركانها، خاصة رئيس الوزراء الفاسد، نتنياهو، ووزير الأمن الداخلي أمير أوحانا بالقول "في كل مرة تهدم فيها الحكومة الإسرائيلية منازل الفلسطينيين، وتحتجز أطفالهم، وتوسع المستوطنات، وتطلق النار على المتظاهرين، وتمنع وصولهم إلى العالم الخارجي، وتكون رسالتها نفسها، التي رددت في الشوارع الليلة، وتدعي أن "حياة اليهود فقط، هي التي تهم الشعب (الإسرائيلي)، حالة متكررة نشاهدها، ونراها تأتي من أعلى المستويات" لتبرير عمليات الهدم والقتل والتطهير ضد الفلسطينيين.، وفي هذا الموسم أضيف لها بعد الانتخابات الأخيرة "انتخاب وزير جديد (إيتمار بن غفير خليفة كاهانا) يعبر عن العداء العنصري وحتى يدعو للإبادة الجماعية للفلسطينيين، ويكتسب مكانة جديدة يمكن من خلالها أن تفتح الدعوة إلى التطهير العرقي وتنفيذه" على الأرض في القدس وكل الأرض الفلسطينية.

وسجلت الرسالة تضامنها مع الفلسطينيين المحتجين لأجل الدفاع عن حياتهم، وهم يقفون ضد هؤلاء المعتدين الفاشيين في هذه الليلة". وغمزت الرسالة من قناة الـ330 عضوًا في الكونغرس الأميركي، الذين "وقعوا رسالة يعارضون فيها اشتراط التمويل العسكري الأميركي لإسرائيل للضغط على الحكومة الإسرائيلية لاحترام حقوق الإنسان". وتساءلت الرسالة "هل سيقرأ هؤلاء الأعضاء كيف أطلق الفاشيون اليهود العنان للإرهاب على سكان القدس الفلسطينيين خلال شهر رمضان المبارك؟ وإذا فعلوا ذلك، فهل سيعيدون التفكير في الرسالة التي وقعوا عليها اليوم؟ نأمل أن يفعلوا ذلك".  

وطالبت المنظمة الشبابية السياسيين الأميركيين بإدانة مذبحة الليلة بأكثر من مجرد خطب جوفاء، نحتاج منهم لاتخاذ إجراءات. ونطرح سؤالًا واحدًا على أعضاء الكونغرس البالغ عددهم 330 عضوًا: "في أي جانب أنت؟ هل أنت مع المتطرفين اليمينيين، الذين يصرخون "الموت للعرب" أم أنك مع أولئك الذين يقاتلون من أجل الحرية والكرامة للفلسطينيين والإسرائيليين؟.

رسالة واضحة وصريحة كاشفت فيها المنظمة الشبابية اليهود الصهاينة وحكومتهم اليمينية المنخرطة في لعبة تزوير وتلفيق الحقائق لمواصلة الإرهاب المنظم ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وشخصت ما يجري باعتباره عملية تطهير عرقي فاشية ضدهم، وضد الإسرائيليين من أنصار السلام على حد سواء. وطالبت العالم عمومًا والسياسيين الأميركيين وخاصة أعضاء الكونغرس الذين وقعوا رسالة ضد اشتراط تقديم المساعدات الأميركية لإسرائيل، بتحكيم المنطق والعقل، والوقوف إلى جانب الأبرياء والمناضلين من أجل الحرية والكرامة والمساواة مع بني البشر. ونادت بأن يتجاوزوا سقف البيانات الجوفاء، والانتقال إلى مستوى الإجراءات، وفرض العقوبات على الحكومة الإسرائيلية المارقة، التي عمدت الفاشيين رسميًا في برلمانها الجديد لتحقيق السلام.

هذا هو التحول النسبي في المزاج الأميركي العام، وفي أوساط الشباب من أتباع الديانة اليهودية، وحتى في أوساط الكونغرس، الذي لم يعد أعضاؤه جميعًا مجرد بوق لمناصرة دولة البغي والعدوان الإسرائيلية، فهناك 200 عضو كونغرس لم يوقعوا على الرسالة، التي وقع عليها 330 عضوًا من الكونغرس وطالبوا الإدارة الأميركية بعدم اشتراط التمويل لإسرائيل، وعدم الضغط على الحكومة الإسرائيلية. هذا التحول علينا أن نراه، ونقرأه بهدوء ودون مبالغة وباشتراطات الحالة الأميركية، وسياسات الدولة العميقة حتى لا نقع في المغالاة والتطير. لكنه بات ملموسًا، ويتسع كل يوم، وبات جزءاً من الصراع الداخلي الأميركي بين العنصريين وأضرابهم، وبين المؤمنين بخيار السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وشكرًا لمنظمة الشباب اليهودي الأميركي على موقفها الشجاع والمسؤول.