في كل مرة تنام فيها دولة الاحتلال الاسرائيلي على اعتقاد أنها نجحت في تهويد القدس، وفي احتواء المقدسيين، تصحو في اليوم التالي على صدمة ولطمة كبيرة، بأن هذا الشعب لا يمكن احتواؤه، وأنه سيواصل مقاومته للاحتلال.. لماذا لا يمكن ترويض واحتواء المواطنين الفلسطينيين في القدس؟ لماذا يفاجئ المقدسيون سلطة الاحتلال مرة تلو الاخرى وجيلًا بعد جيل، وفي كل مرة يكون عود مقاومتهم أصلب؟ الجواب هو في كيف يرى الطرفان المدينة، كيف يرى الصهيوني القدس؟ وكيف يراها المواطن الفلسطيني ابن المدينة..؟
بالنسبة للصهيوني فهو يرى القدس كومة حجارة قديمة، يريد الاستيلاء عليها لكي ينبشها بحثًا عن تاريخ لا وجود له الا في عقله المتوارث من أسطورة قديمة، وإن لم يكن لهذا التاريخ وجود عبر نبش كومة الحجارة، فإنه سيعمل على إعادة هيكلة هذه الكومة بما يتلاءم مع تاريخه حصرًا ولا أحد سواه. بالنسبة للمواطن الفلسطيني فهي حيزه المكاني. إنها مدينته، الحي الذي يعيش فيه، إنها بيته المتوارث بشكل طبيعي، القدس هي تاريخه وحاضره، ولا يرى له مستقبلًا خارجها، أو دونها.
والأهم، أن الفلسطيني متصالح مع المكان وما فيه من تعددية دينية وحضارية فهو لا يشعر بالغربه أو الاغتراب، وبالنسبة لكل ما في المدينة هو تاريخه في إطار تسلسله الطبيعي، لذلك هو يرى المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وسور القدس وكل حجر بنفس الطريقة، كل ما في المدينة مكانه الطبيعي، وهي مكونات هويته الوطنية. بالمقابل الصهيوني يرى القدس من زاوية أنها مبرر روايته لمشروعه الصهيوني التوسعي الاستعماري، دون القدس تتهاوى روايته كقصر من الرمال، لذلك نظرته للمدينة نظرة عنصرية استعمارية، يريد أن يحتكر المكان وتاريخه ويريد الاستيلاء عليه بالقوة ويغير معالمه الحضارية بهدف إعطاء شرعية لوجوده الغريب في القدس.
ما يؤكد هذه النظرة المختلفة للقدس، المشهد الذي رأيناه في الأيام القليلة الماضية، رأينا جماعات فاشية صهيونية عنصرية تستبيح المدينة وتحاول أن تفرض إرادتها عليها بطريقة همجية، على طريقة كل استعماري عبر التاريخ. في مقابل ذلك أصحاب المكان يدافعون عن أنفسهم، عن بيوتهم عن مدينتهم الطبيعية، مشهد احتلال يحاول فرض إرادته بالقوة الغاشمة في مقابل مواطنين عاديين أصحاب المكان الأصليين.
الشاعر محمود درويش، لخص بذكاء وعمق نظرة الفلسطيني للقدس، النظرة المتصالحة مع تعددية المدينة، لانها تمثل هويته الوطنية بكل ما فيها من مكونات، يقول درويش:
في القدس، أعني داخل السور القديم
أسير من زمن إلى زمن
بلا ذكرى تصوبني، فإن الأنبياء هناك
يقتسمون تاريخ المقدس.
ويقول درويش:
كيف يختلف الرواة على كلام الضوء في حجر
أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحرب؟
وعن عدم فهم سلطة الاحتلال لعلاقة المواطن الفلسطيني المقدسي في القدس ينهي درويش قصيدته:
صاحت فجأة جندية
هو انت ثانية.. ألم اقتلك؟
قلت ربما ولكني نسيت مثلك أن أموت.
الفلسطيني المقدسي يفاجئ دولة الاحتلال بانه موجود، ولن تستطيع القوة الغاشمة إخفاته أو احتواءه.
القدس يا نتنياهو ليست مجرد كومة حجارة قديمة، إنها مكان حياتنا، تاريخنا بكل ما فيه من تعددية، وهي حاضرنا، وليس لنا مستقبل الا بها ومعها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها