الحارث الحصني
مرّ شهران تقريبا على إحضار المستوطنين لمعرش صغير مكشوف، وخزان مياه، ووضعهما على قمة أحد الجبال المتراصة في خربة الفارسية بالأغوار الشمالية، للاستخدام الزراعي.
في الأيام ذاتها، زرع المستوطنون على السفح الممتد شرقا نحو خيام الفلسطينيين، عشرات أشتال الزيتون، وبدأوا بريها من ذاك الخزان.
حينها لم تكن حدود البؤرة واضحة تماما، باستثناء أشتال الزيتون تلك التي زُرعت في الفترة نفسها التي بدأ تواجد المستوطنين فيها.
لكن هذا الأسبوع بدأت بوادر تلك الحدود تظهر ببطء للناظرين إلى المكان، فقبل أيام بدأت علامات بجانب الأشتال المزروعة تظهر بوضوح للفلسطينيين، وهي مثل الدعامات للزيتون المزروع، والكرتون المقوى حماية لها من قيظ الأغوار الملتهب.
لكن الشيء الذي بدأ يثير الذعر فعليا في نفوس الفلسطينيين في تلك المنطقة، أن المستوطنين وضعوا علامة حديدية هرمية الشكل مثبتة في الأرض، على مقربة بشكل مخيف من خيام بعض الفلسطينيين (غير المأهولة حتى اللحظة) في المنطقة.
وأمكن رؤية هذه العلامة بشكل واضح.
خلال سنوات قليلة ماضية، بدأت البؤر الاستيطانية في أماكن مختلفة من الأغوار الشمالية، وهي لا أسماء واضحة لها، بكرفانات، ومعرشات، مثلما يجري الآن في خربة "احمير" بالفارسية.
هذه الأيام، يمتلك الفلسطينيون تصورا مسبقا عما سيؤول إليه التواجد الجديد في الفارسية، معتمدين عما حدث في أربعة تجمعات بدأت بهذا الشكل في الأغوار الشمالية، واليوم أصبحت بؤرا ممتدة.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة، "الأمور واضحة لنا، كل البؤر بدأت هكذا ثم أصبحت تجمعا كبيرا يمتد كل يوم شيئا فشيئا".
في الواقع، امتدت معالم التواجد الاستيطاني في الفارسية حتى وصلت قرب الخيام.
قال دراغمة: "لا تبعد العلامة الحديدية سوى بضعة أمتار عن خيام المواطنين (...)، إنهم يزحفون بصمت نحو مساكن الفلسطينيين".
وحتى تلك الخيام في مناطق الأغوار، فحسب ما نشر على الموقع الالكتروني لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، تفرض إسرائيل على الفلسطينيين البقاء ضمن بلداتهم التي ضاقت عليهم وتمنع منعًا شبه تامّ البناء الفلسطيني في المناطق المصنّفة "ج".
والفارسية تجمع يقع شماليّ غور الأردن يعتمد سكانه في نظام حياتهم على تربية الماشية، والزراعة، وهو قائم من قبل أن تحتلّ إسرائيل الضفّة الغربيّة في عام 1967 وهدمتها إسرائيل كليا عام 2010.
ويطوق مضارب التجمّعات الفلسطينية في تلك المنطقة عدة مستوطنات وبؤر استيطانيّة، فمن الشمال "جيفعات سيلعيت" و"محولا"، ومن الشرق "شدموت محولا"، و"روتم" ومن الجنوب "مسكيوت"، وكلها تجمعات استيطانية بأسماء ومعالم واضحة يمكن مشاهدتها بالعين.
في الفارسية بؤرة حديثة الولادة، تصل مشارفها على بعد أمتار من خيام الفلسطينيين. وقد أمكن مشاهدة، عبر صور بثها ناشطون حقوقيون مهتمون بتوثيق انتهاكات الاحتلال والمستوطنين بالأغوار، علامة حديدية قريبة جدا من الخيام، خزان مياه، ومعرش صغير.
"هذه مقومات بؤرة جديدة". قال دراغمة.
في الواقع، يصف مواطنون من المنطقة في تعبير مجازي عما يجري: "يضمّون خيامنا... إنهم يتوسعون بعيدا عن الضجيج".
يقول دراغمة: "هذا إيذان لتسييج مزيد من الأراضي في المستقبل، فرض تواجدهم في المكان (..)، باتت سياسة المستوطنين واضحة".
وتابع: "يزحفون بصمت.. كل يوم يضيفون شيئا حتى لا يلفتوا الأنظار، وفجأة تظهر لنا إضافة جديدة وكاملة على البؤرة".
عند قمة الجبل، كان المعرش الصغير الذي وضعه المستوطنون بداية تواجدهم في المنطقة، دون سقف، لكن إضافة جديدة، جعلته مسقوفا.
يقول دراغمة: "يضيفون أشياء بسيطة، لكنها ذات معنى كبير".
وتابع: "إذا ظلت الأمور هكذا فستكون بؤرة لن يستطاع اقتلاعها مستقبلا".
منذ تسعينيات القرن العشرين أنشئت نحو 100 "بؤرة استيطانيّة" في أماكن كثيرة في أنحاء الضفّة الغربيّة، وهذه "البؤر الاستيطانية" توسّع مجال سيطرة المستوطنات وتضاعف مرّات ومرّات مساحات الأراضي الفلسطينيّة المنهوبة، وهذا النهب ترافقه أعمال العنف والتهديدات ومهاجمة الرّعاة وسلب الأراضي الفلسطينيّة.
مواطنون يسكنون هذه المنطقة قالوا إن التمدد الذي يحدث في المنطقة يشي بكارثة قادمة في المستقبل القريب. ولعل ما يعزز مخاوفهم هذه، أن خيمة واحدة وضعها المستوطنون في منطقة الحمة، شمال الفارسية بمئات الأمتار فقط، أصبحت اليوم تجمعا كبيرا يمكن ملاحظة تفاصيله بوضوح من الشارع العام الواصل بين طوباس والأغوار الشمالية.
فعليا، يسود تخوف واضح بين الفلسطينيين من تلك البؤرة الجديدة في منطقة الفارسية.
قالت "بتسيلم": "إنّ أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون ليست "استثناءات" وإنّما هي جزء من نشاط استراتيجي تسمح به الدولة وتشارك فيه وتستفيد من تبعاته. النّتيجة البعيدة المدى لهذه الأعمال هي سلب المزيد والمزيد من الأراضي من أيدي الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة، وهو الأمر الذي يسهّل على الدولة السّيطرة على الضفّة الغربيّة ومواردها".
راهنا، يسمع بشكل شبه يومي على ألسنة فلسطينيين يسكون المنطقة، أحاديث متفاوتة عن نشاط دؤوب في المنطقة، لعدد من المستوطنين عند المعرش الموجود، وأمكن في مرات عديدة مشاهدتهم بالعين المجردة، من خيام الفلسطينيين.
ناشطون حقوقيون يعتبرون هذا التوسع الاستيطاني في مناطق الأغوار، هو الترجمة الفعلية لعملية ضم بعيدة عن الضجيج.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها