تقرير: إسراء غوراني
نحو تسعة عقود مرت على بناء سجن الفارعة في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، وظل على مدار سنوات مرتبطا بذاكرة النضال الفلسطيني، بعد ان استخدمه الاحتلال الاسرائيلي منذ مطلع الثمانينات وحتى التسعينات مركزا للاعتقال والتعذيب، قبل أن يتحول لاحقا إلى مركز شبابي رياضي.
في الذاكرة الشفهية لكبار السن في منطقة الفارعة تروى حكايات تتناقلها الأجيال حول تاريخ السجن الذي بدأ بناؤه في ثلاثينيات القرن الماضي قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، على مساحة تزيد عن 40 دونما، وكان آنذاك مركزا للشرطة البريطانية في منطقة الشمال.
بعد انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين تعاقبت على سجن الفارعة العديد من الحقب، ففي عام 1948 استخدمه الجيش العراقي الذي قدم مع جيش الإنقاذ العربي مقرا له لعدة أشهر، ومنذ عام 1949 وحتى 1967 استخدم سجن الفارعة مركزا للشرطة الأردنية.
بقي سجن الفارعة مهجورا بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 حتى عام 1983، عندما بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدمه مركزا للاعتقال والتحقيق.
في تلك الفترة أخذ سجن الفارعة صيتا سيئا وبات يطلق عليه "مسلخ الفارعة" بسبب شدة التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون فيه.
رئيس لجنة خدمات مخيم الفارعة عبد المنعم مهداوي، اعتقل في سجن الفارعة عدة مرات، يقول: إن مدة الاعتقال والتحقيق في سجن الفارعة كانت تمتد ما بين 18 إلى 30 يوما يكابد خلالها المعتقل أقسى مراحل التعذيب.
ويضف: كان الجنود يقتادون المعتقل إلى منطقة الشبح والتعذيب، التي تعرف باسم "الاسطبل" وهي ذات المنطقة التي كان يستخدمها الجنود البريطانيون اسطبلا لخيولهم، يجلس بالعراء في البرد القارس شتاء وتحت أشعة الشمس الحارقة صيفا، ويشبح لمدة أيام ويوضع في رأسه كيس، كما يتعرض في الزنازين لأشد أنواع التعذيب كالصعق بالكهرباء، والشبح على البكرات.
ويتابع: بعد التعرض لكافة أشكال التعذيب، يوضع المعتقل في زنزانة صغيرة جدا، مع أربعة معتقلين آخرين في مساحة لا تزيد عن مترين.
خلال الانتفاضة الأولى شهد سجن الفارعة ذروة الاعتقالات والتعذيب، فكانت سلطات الاحتلال تدخل مئات المعتقلين إليه يوميا، لدرجة أن الزنازين والأقسام لم تعد تتسع لهم، فكان يتم نصب خيام في ساحاته لملئها بالمعتقلين.
المواطن نمر العايدي من مخيم الفارعة يسترجع ذكريات مريرة عايشها في الانتفاضة الأولى أثناء اعتقاله ثلاث مرات في سجن الفارعة: أول اعتقال في الفارعة كان بتاريخ 22 آذار عام 1988، والثاني في عام 1989 والثالث عام 1990، وفي كل مرة نحو 20 يوما قبل ترحيله لقضاء مدة اعتقاله في سجن آخر.
ويشير إلى أن الأسير يتعرض للضرب والتنكيل على يد جنود الاحتلال منذ لحظة اعتقاله وحتى دخوله إلى ما كان يسميه الجنود في ذلك الوقت "ساحة الاستقبال"، وهي ما تعرف بين المعتقلين بساحة الشبح، هناك كان يتم تقييد الشبان وتعصيب أعينهم وشبحهم لأيام إما واقفين أو جالسين على مكعبات اسمنتية.
ويضيف: "يستمر مسلسل الإذلال للمعتقلين بعد إدخالهم إلى الزنازين، ويتم خلالها انتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية".
أخلت سلطات الاحتلال سجن الفارعة بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 وبقي مهجورا لفترة وجيزة، قبل تحويله إلى مركز شبابي رياضي تابع لوزارة الشباب والرياضة، وأطلق عليه اسم "مركز الشهيد صلاح خلف".
تحول هذا المكان الموحش من مركز للتعذيب والقمع، إلى مركز رياضي تنظم فيه العديد من الأنشطة الشبابية والمخيمات الصيفية والمباريات الرياضية، وأضيفت له عدة مرافق أهمها ملعب لكرة القدم وآخر لكرة السلة، ويقصده مئات الشبان سنويا من مختلف مناطق الضفة الغربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها