أطلقوا على القتال الجاري بين دولة الاستعمار الإسرائيلي وحركة حماس ما شئتم من المسميات: حربًا، أو تصعيدًا، أو مناوشات، أو مناورات بالدم والبارود، أو رسائل محمَّلة بدم الأبرياء من أبناء الشَّعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، أو القتال الماجن، الذي لا يتصل بالمشروع الوطني، بل تحكمه روح المصالح النفعية، وصراع الأعدقاء لتحسين الشروط فيما بينهم، واستهتار العدو الغاشم بالاتفاقات المبرمة، والهدن التافهة والمذلة، وركوب ظهر المجن والغطرسة والغرور لسحق الخصوم الأغبياء، عدو ولد باسم الدم والبارود والإرهاب الدولاني المنظم، لا يأبه بالقانون والمواثيق الدولية، ولا يعير بالاً لأيَّة تفاهمات مع العملاء الصغار.
حرب قذرة جرت على مدار الأيام الثلاثة الماضية، ذهب ضحيتها حوالي عشرين شهيدًا، وعشرات الجرحى جلهم من النساء والأطفال، أو الشيوخ، وهدم وتدمير عدد من المباني في مدينة غزة لمجرد احتضانها مكتبًا لأحد فصائل العمل الوطني، أو مركزًا للأبحاث والدراسات، كما حصل في بناية السراج في حي الرمال على سبيل المثال لا الحصر. الأمر الذي يستدعي من دول العالم والأمم المتحدة التدخل المباشر لوقف لغة الحرب والبارود والدم، وتأمين الحماية الدولية للشَّعب الفلسطيني وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وحماية خيار السَّلام القائم على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 بعيدًا عن الرسائل الخاصة بالمتورطين في الحرب، التي لإسرائيل المارقة والخارجة على القانون اليد العليا فيها، رغم صخب وجعجعات شعارات حركة حماس ومن لف لفها.
ولكن ونحن نطالب بوقف جريمة الحرب الإسرائيلية الجديدة على محافظات الجنوب الفلسطيني، فإنَّ المسؤولية الوطنية والعلمية تملي على الإنسان تسليط الضوء على رسائل القوى المتحاربة، وعنوانها الأول أن حركة حماس أرادت إرسال رسالة لمصر الشقيقة مع وصول رئيسها في محافظات القطاع لها، يحيى السنوار، مع رئيس حركة الجهاد، "إن ابتعادكم بعد الانتخابات الإسرائيلية، وعدم اهتمامكم بما تمَّ الاتفاق عليه في الهدنة المذلة مع إسرائيل برعايتكم، لن يكبل أيدينا، وإنَّنا جاهزون لقلب الطاولة، ودفعكم دفعًا للعودة للتدخل، ودعوة إسرائيل لتسديد فاتورة تعهداتها؛ ثانيًا إرسال رسالة لإسرائيل عمومًا ونتنياهو خصوصًا، إنَّ عليه مسؤولية وواجب أن يطبّق ما تعهد به من زاويتين: إدخال الأموال القطرية لها، ومنحها بعض الامتيازات في البحر لجهة توسيع مساحة الصيد، وتوسيع دائرة الاستيراد والتصدير وغيرها من المنافع التافهة لتذر الرماد في العيون؛ ثالثًا شعور حركة الجهاد الإسلامي إن حركة حماس ذهبت بعيدًا في اتفاق الهدنة، وأن فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين (حماس) لم تكن صادقة معها، ولم تضعها في صورة ما تم الاتفاق عليه. ليس هذا فحسب، بل إن حركة الجهاد وصلت لاستنتاج بأن حركة الانقلاب الأسود على الشرعية تريد السيطرة على قطاع غزة، وفصله عن محافظات الشمال، وتبديد المشروع الوطني، الأمر الذي وضعها في موقف محرج، لأنها بقدر ما كانت تتفهم، وتدعم ما يسمى خيار "المقاومة"، بقدر ما ترفض رفضًا قاطعًا خيار فصل القطاع عن الضفة، وعليه أرادت من وراء التصعيد إشعال فتيل الحرب، وأيًّا كانت الخسائر بهدف قطع الطريق على حركة حماس ومشروعها الإخواني؛ رابعًا أيضًا لا يجوز تجاهل ونسيان الأجندة الإقليمية من وراء التصعيد، حيث تبدو أصابع إيران جلية فيها، كما أن التنظيم الدولي للإخوان، ومعه تركيا وقطر شاءا ان يرسلا رسالة لإدارة ترامب، إلَّا يذهب بعيدًا في توجهه بحظر جماعة الإخوان المسلمين في العالم، وأن لها يدا طويلة قادرة على كي الوعي والمصالح الأميركية؛ خامسًا أرادت إسرائيل التأكيد مجددا لحركة حماس ومن معها، انها فوق كل الاتفاقات والتفاهمات، وإنها بعدما حصلت على الهدوء المطلوب لإجراء انتخاباتها البرلمانية في التاسع من نيسان/ إبريل الماضي (2019) لم تعد معنية بأي التزامات مع حماس؛ سادسًا كما إنها بذهابها إلى التصعيد الجنوني وقصفها الوحشي للعباد والأبنية السكنية، وإيقاع الخسائر الفادحة في أرواح المواطنين الفلسطينيين، شاءت القول لحماس الانقلابية، إنَّها كجزء من حركة الإخوان المسلمين قابلة للتغيير، ووجودها ممسكة بالسيطرة على قطاع غزة ليس مضمونا توافقا مع توجهات الولايات المتحدة، التي تبحث عن حظر جماعة الإخوان المسلمين؛ سابعًا والرسالة المصرية لحركة حماس وغيرها من القوى الإسلاموية، إن مصر لا تقبل خيار حماس الانفصالي، ولا تقبل رسالتها الإخوانية، بقدر ما ترفض الخيار الإسرائيلي، أضف إلى أنها شاءت، أن تؤكد لحماس، أن غطاء التفاهمات مع إسرائيل، هو غطاء ممزق ولا يقي من برد الشتاء، ولا من حر الصيف.
في كل الأحوال ما يجري في قطاع غزة يحتّم على العالم التدخل لوقف المجزرة الإسرائيلية الجبانة، وتأمين الحماية الدولية للشَّعب الفلسطيني، وحماية ما تبقى من خيار السَّلام وحل الدولتين، وضخ الأمل فيه مجددًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها