عالمُ الكراهية والحقد والتحامل والإرهاب، هو هذا العالم الذي تريده قوى اليمين العنصري المتطرف، بطرفَي معادلته، الأميركية الإسرائيلية، والغربية عمومًا من جهة، والإسلاموية العدمية من الجهة الأخرى.
الإرهابي الأسترالي "تارانت" الذي اقتحم مسجدَين للمسلمين في نيوزلندا، وذبح المصلين هناك وهُم على سجادة الصلاة، هو نتاج هذه المعادلة الكريهة، التي لا نشك أنَّ طرفيها، قد ابتهجا، وكلٌّ لغاياته، بما ارتكب هذا الإرهابي الأسترالي{المعجب بدونالد ترامب} من مجزرة سيسجّلها التاريخ وصمة عار في جبين عالم اليوم، طالما أنَّ هذا العالم ما زال يُغذّي قوى التطرّف والإرهاب، بعدم مواجهتها على نحو إنساني مسؤول، الأمر الذي سمح ويسمح حتى الآن لـ(إسرائيل) اليمين العنصري، أن تكون دولة فوق القانون، وللإدارة الأميركية أن تتطاول وتضرب أوضح وأهم القوانين الدولية، وأبسط الأعراف والقيم الإنسانية، كما أنّه الأمر ذاته، الذي انتج بهذه الطريقة أو تلك "داعش" ومثيلاتها، ونفخ في صورتها، وهو ينقل صور فظائعها، لخدمة خطاب "الإسلاموفوبيا" السياسي الذي أكثر من يبرع فيه اليوم، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.
الإرهابي الأسترالي وهو بالمناسبة نظير الإرهابي الإسرائيلي "غولدشتاين" تذرَّع لتبرير ارتكابه لجريمته الوحشية - وحيث استحالة التذرع لتبرير أية جريمة- بما فعلت "داعش"!!! و"داعش" ربما وعلى الأغلب، ستتذرّع بما ارتكب هذا الإرهابي العنصري البشع، وهذه هي في الواقع والحقيقة، سياسة الباب الدوار في خطاب "الاسلاموفوبيا"!!! وتحكمنا المقاربة هنا، وحركة "حماس" تعمل على تأصيل هذا الخطاب بين المسلمين أنفسهم، وهي لا تعمِّم غير ثقافة الكراهية والنبذ والإقصاء، وفتاوى الفتنة التي تشرعن سفك الدم الحرام، فيما تعمل على تكريس سلطتها في قطاع غزةّ بالقمع والعسف، لتحكم القطاع المكلوم بالخوف والإرهاب، وقد بات ذلك جليًّا، بعد أن قمعت وبمنتهى العنف، تظاهرات أهل غزة التي خرجت تحت شعار "بدنا نعيش". كما أنَّ "حماس" بهذه الثقافة تقدم دعمها لليمين العنصري الإسرائيلي "فالاسلاموفوبيا" هي من بين ما يرتكز إليها نتنياهو في حملته الانتخابية، لحصد أصوات اليمين العنصري الإسرائيلي المتطرِّف، المناهض للسلام والعدل والمساواة.
الإرهابي الأسترالي "بريتون تارانت" الذي ارتكب مجزرة المسجدين، يعتبر وبالقصد العقائدي العنصري أنَّ " دونالد ترامب رمز الهُويّة البيضاء المتجدّدة" كما جاء في بيان له من أربع وتسعين صفحة، وفي المقابل، لا شك أنَّ الداعشي ومنه الحمساوي، يعتبر أبو قتادة، وأبو بكر البغدادي، والظواهري، وأسامة بن لادن، والمرشد العام في المحصلة، رموز الهُويّة الإسلامية "البيضاء" بالقصد العقائدي العنصري ذاته!!! ليست ثمّة أفكار تحكم قوى اليمين والتطرّف والإرهاب على اختلاف مسمياتها، سوى الأفكار الماضوية، تراث "الكوكلاس كلان" والنازية والفاشية في يمين الغرب العنصري، والسلفية المتحجّرة في الجماعات الإسلاموية التكفيرية!!!
سيظل عالم الكراهية والقتل والإرهاب، عالما ممكنًا، ما لم يتصدَّ المجتمع الدولي لسياسات قوى اليمين العنصري المتطرف وغطرستها الدولانية تحديدًا، ولكلِّ جماعات الإرهاب والتطرّف بكلّ تسمياتها ومختلف اتجاهاتها، وعلى نحو يؤكِّد التحضر الإنساني بقيمه الأخلاقية النزيهة.
عالم الأمن والاستقرار هو العالم الذي يتخلّص من ثقافة العنف والتطرف والعنصرية، العالم الذي يهزم خطاب "الإسلاموفوبيا" بهزيمة أصحابه، ومنتجي مقوماته ومعطياته، وهذا العالم هو الذي سيقود إلى السلام العادل، والذي يبدأ من هنا، من فلسطين بتمام حُريتها واستقلالها واستردادها لكامل حقوق شعبها المشروعة، وبعاصمتها القدس الشرقية حاضرة السلام التاريخية.
على العالم ألّا ينسى أبدًا، أنَّ مقدّمات الكوارث البشرية الكبرى، تسبقها دائمًا أبشع العمليات الإرهابية لقوى التطرّف والعنصرية، فالحرب العالمية الثانية اندلعت بعد أقل من سنة ممَّا بات يعرف "بليلة البلور" التي نفَّذ خلالها النازيون عمليات إرهاب محمومة ضد اليهود في ألمانيا والنمسا!!
قد لا تكون هناك حرب عالمية ثالثة في هذا العصر، لكن المؤكَّد أنّ تفشي العنصرية، وتعدُّد قوى الظلام والتطرُّف، في مواقع الحكم وخارجه، سيكلِّف البشرية مزيدًا من الضحايا الأبرياء، ومزيدًا من العنف والخراب والتخلّف، ما يهدّد مستقبل الإنسانية بالتوحّش والعدمية!!
الإرهاب آفة العالم المروعة، ومع ضرورة إدانة عملياته الإجرامية، والتعاطف مع ضحاياه، لا بد من موقف عملي لدول العالم بأسره، للخلاص من هذه الآفة، وجعل الحرب ضد الإرهاب مهمة إنسانية مقدسة، ولا بدَّ من التصدي أوّلاً لإرهاب الدولة لأنّه الإرهاب الذي يُغذّي إرهاب الجماعات المتطرّفة، والتصدي لإرهاب الدولة هو المدخل الضرورة لحرب عادلة ضد هذه الآفة المروعة الخطيرة.
ولضحايا المسجدَين رحمة العلي القدير، ولجرحاهم بإذن الله وعطفه الشفاء العاجل، واللعنة على الإرهاب والإرهابيين إلى يوم الدين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها