فضيحة جديدة من العيار الثقيل تكشف عن منافقي وأدعياء المقاومة في محافظات الجنوب الفلسطينية. أول أمس الخميس الموافق 14 آذار/ مارس 2019 بعدما أطلقت حركة "حماس" صاروخين على تل أبيب في الوقت، الذي كان الوفد الأمني المصري يتابع التهدئة بين الانقلابيين وحكومة نتنياهو، ومن جهة ثانية كان القطريون يصبون الأموال في البنوك وفق التعليمات والاشتراطات الإسرائيلية لغايات أبعد من التهدئة، تتعلَّق بصفقة القرن وتمريرها، وفي الوقت الذي كان فيه الشارع الغزي يثور في وجه الطغاة الجدّد، وضد الجوع، ممَّا استدعى من نتنياهو وأركان قيادة الجيش الإسرائيلي للتداعي لاجتماع طارئ في مقر وزارة الحرب الإسرائيلية، وتلازم مع ذلك صدور العشرات من التصريحات النارية عن الحملة العسكرية الجديدة على قطاع غزة. لكنَّ الطرفين، رغم التصعيد المفتعَل بقيًّا مسيطرين على السقف الممكن والمقبول، ولم يسمحا بانفلات الأمور إلى مآلات أبعد ممَّا يريدان.
قيادة الانقلاب الحمساوية في البداية ارتعدت فرائصها، وأخلت مواقع ميليشياتها، وغيّرت إقامة قياداتها، ونزل الجميع إلى الملاجئ، وأصدروا بيانَين من القيادة السياسية والعسكرية للحؤول من دون التصعيد: أولاً؛ برأوا أنفسهم من إطلاق الصواريخ، وحاولوا توجيه الاتهام لجهات أخرى.
ثانيًا؛ ومباشرة (إسرائيل) على لسان أكثر من مسؤول عسكري وأمني، أعلنت أن حركة "حماس" ليست المسؤولة مباشرة عن إطلاق الصواريخ، ومن يتحمَّل المسؤولية، هي حركة الجهاد الإسلامي، ولكنَّها تتحمَّل المسؤولية، لأنَّها المسيطرة على القطاع.
ثالثًا؛ أعلنت حركة الجهاد الإسلامي تكذيبا للاتهام الإسرائيلي.
رابعًا؛ تبيَّن فيما بعد، وكما أبلغت قيادة "حماس" الوفد الأمني المصري، أنَّ الصواريخ أطلقت بطريق الخطأ من قِبَل عناصرها، وهي صواريخ من صنع "حماس"، وليست صناعة إيرانية، كما ادّعوا في البداية. خامسًا؛ برأت حكومة نتنياهو حركة الانقلاب من تهمة الإطلاق المتعمد للصواريخ على تل أبيب.
ومع ذلك قام سلاح الجو الإسرائيلي المروحي والنفاث طيلة ليلة الخميس الجمعة باستهداف عشرات المواقع من شمال المحافظات حتى جنوبها بما يزيد عن مئة غارة جوية، وذلك لذر الرماد في العيون، وهو ما أعلنته في أعقاب الاجتماع العاجل للقيادة العسكرية في الكرياة بأنَّها لن تتورّط في مواجهة عسكرية واسعة، إنّما ستكون ضربات عسكرية محسوبة، ولكنها عنيفة وقاسية، الأمر الذي أراح قيادة الانقلاب الحمساوية نسبيًّا. حتّى أن موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، أعلن امتعاضه واستياءه من بيان حركة الجهاد الإسلامي الصادر صباح الجمعة، الذي دعت فيه إلى النفير العام، خشية منه، أن يربك ذلك خيار التبرئة والتبريء الإسرائيلي.
ما حصل يعتبر فضيحة جديدة، كشفت حجم التناغم والتوافق بين دولة الاستعمار الإسرائيلية، التي تستهدف حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وتعمل على تعميق الانقسام والتشرذم في صفوفه من خلال تكريس خيار الإمارة على حساب الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وبين قيادة الانقلاب الحمساوية، التي ارتضت منذ وجدت في المشهد الفلسطيني بلعب دور حصان طروادة، وتمزيق وحدة الشعب والقضية والأهداف الوطنية، وهو ما كرسته في انقلابها أواسط عام 2007، وما زالت حتى الآن تعمل على اختطاف قطاع غزة، وبناء إمارتها السوداء. وبالتالي تبرؤ "حماس" من الصواريخ يميط اللثام عن وجهها القبيح لجهة، أنَّها ليست مشروع مقاومة، وإنَّما هي أسيرة المشروع الأميركي الإسرائيلي القطري وعنوانه "صفقة القرن"، ومن جهة أخرى يفضح اللعبة الإسرائيلية القذرة، التي ذهبت إلى حد تبرئة حركة "حماس" من تهمة إطلاق الصواريخ بشكل متعمَّد، لتغطي عليها، وتغطي على مشروعها الخطير، المشار إليه آنفًا. وهكذا يصبح التكامل بين (إسرائيل) الاستعمارية وحركة "حماس" الإخوانية واضحًا وجليًّا، ومن دون رتوش، وما الحديث عن التنسيق الأمني، الذي تقوم بالتحريض عليه صباح مساء، ليس سوى مزحة صغيرة، وثانوية أمام فضيحة التكامل وتبرئة كلِّ من (إسرائيل) وفرع جماعة الإخوان المسلمين بعضهما البعض، ويزيل الغطاء والمساحيق عن وجه أدعياء المقاومة.
ما تقدَّم لا يعني بحال من الأحوال، الصمت على إرهاب دولة (إسرائيل) المنظَّم، لأنَّه يستهدف الشعب وقواه الحية، ومصالحه وثوابته الوطنية، ويدعو كلَّ مخلص من أبناء حركة "حماس" لأن يقف ويفكر في المآل، الذي تتّجه إليه قيادة حركتهم الإخوانية، ويتّخذوا القرار الوطني المناسب لحماية مصالح الشعب العليا، والدفع بعودة الشرعية لمحافظات الجنوب وفق اتفاق 2017.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها