تربطني علاقات صداقة ومودة مع الأشقاء العرب الدبلوماسيين العاملين في الوطن الفلسطيني، ورغم حرصي على تمتين الروابط الأخوية بيني وبينهم دون تمييز، غير أنَّ أحد السفراء بين المداعبة والجدية، غمز من قناتي، حين قال لي "أنت هواك مصري"، قلت لسعادته، هواي عربي، لأني أحبُّ قوميتي وعروبتي ولغتي وثقافتي، كما أنّي أحب النَّاس جميعًا دون تمييز. لكنَّ ثورة يوليو المصرية بقيادة الزعيم الخالد عبد الناصر تحتل مكانة خاصة في وعيي، لا يمكن أن تُمحى، رغم ما شاب تلك الثورة من سلبيات ونواقص.
مع ذلك الاعتزاز بالثورة المصرية العظيمة، لا يسقط من حسابي أشقائي العرب، لأنَّ انتمائي لعروبتي وقوميتي لها الأولوية على كلّ ما عداها، وتتجاوز الخصوصيات والاعتبارات الذاتية. وبالتّالي لكلّ بلد وشعب من شعوب الأمة وتجربته الوطنية ولمواقف قياداته إهتمام خاص من جانبي، وأميل لتسليط الضوء على الإيجابي عند هذا البلد الشقيق أو ذاك، وأحرص على تعزيز القواسم المشتركة مع الكل العربي، رغم وجود العديد من المنغصات والمثالب في دنيا العرب من الخليج إلى المحيط.
واعتزازاً بمكانة ودور الأشقاء العرب، تمت مشاركة الأشقاء في سفارة مملكة المغرب بالذكرى التاسعة عشر لجلوس الملك محمد السادس الاحتفال بالمناسبة الوطنية المغربية، كما شارك حشد كبير من الشخصيات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والأمنية الفلسطينية وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الحمد الله في الفعالية المغربية، والتي كانت بمثابة تظاهرة وطنية فلسطينية نتاج الروابط الأخوية العميقة بين الشَّعبين والقيادتين الشقيقتين.
وبهذه المناسبة لا يمكن للمواطن الفلسطيني أن ينسى الدور الإيجابي، الذي يقوم به الملك الشاب محمد السادس ولا الحكومات المغربية المتعاقبة، وقبل كلّ ذلك مواقف الشَّعب المغربي الشقيق بكل تلاوينه ومكوناته الأمازيغية والعربية تجاه القضية الوطنية الفلسطينية، حيث يعتبر الأشقاء في المغرب قضية فلسطين، قضيتهم الثانية، وبعضهم يعتبرها الأولى في أولوياته اليومية. وهذا يعكس عمق الروابط التاريخية بين الشَّعين الشقيقين. وتتجلى المواقف، التي تقوم بها الدوائر الدبلوماسية والسياسية والأمنية والأكاديمية الثقافية المغربية بالهدوء، وعدم الضجيج في الدفاع عن المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية. ولأنَّ القيادة المغربية تحرص على العمل بصمت.
كما أنَّ سفارة المملكة الشقيقة من خلال طاقمها برئاسة السفير المخضرم والمتميز، محمد الحمزاوي، عميد السلك الدبلوماسي في فلسطين، تلعب دوراً مهما ورئيسيًا في تعزيز العلاقات الأخوية المشتركة بين القيادتين والبلدين والشعبين وعلى كلّ الصعد والمستويات. ولا يدخر طاقم السفارة وبتوجيهات من الملك والخارجية المغربية أي جهد ممكن لتوطيد العلاقات الثنائية المشتركة.
ومع ذلك، وللاستفادة من المناسبة المغربية الكريمة، فإنَّ الشَّعب الفلسطيني وقيادته الشرعيَّة، يتمنون على الأشقاء العرب وفي طليعتهم المغرب الشقيق مضاعفة الجهود على كلّ الصعد والمستويات لكبح التغول الأميركي الإسرائيلي ضد المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية. وضرورة الاستثمار الجيد والإيجابي لأوراق القوة العربية في التَّصدي لتلك الهجمة وغير المسبوقة.
وهنا لم تعد بيانات الشجب والاستنكار والإدانة تفيد بشيء تجاه جرائم الحرب، التي ترتكبها دولة الاستعمار الإسرائيلية ضد الشَّعب والمصالح الوطنية العليا، ولا تجاه الحرب المفتوحة، التي أعلنتها إدارة الرئيس ترامب على قيادة منظمة التحرير والشَّعب، الأمر الذي يملي على الزعماء العرب بما لديهم من إمكانيات وأوراق قوة العمل على استخدامها الاستخدام الأمثل لصيانة وحماية قضية العرب المركزية، قضية فلسطين.
نعم هناك حسابات ومصالح خاصة لكلّ دولة عربية على انفراد، ومعايير الدول تتباين فيما بينها، فضلاً عن المشاكل الداخلية، التي تواجهها بعض الدول، وما تمليه عليها من أولويات، ومع ذلك الضرورة الوطنية والقومية والإنسانية، وانسجامًا مع القوانين والمواثيق والمعاهدات الأممية فإنَّها تحتم الارتقاء بمواقف الدعم والإسناد للقيادة الشرعية الوطنية برئاسة الرئيس أبو مازن، وللشَّعب الفلسطيني لوأد وتصفية صفقة القرن الأميركية، وقانون "القوميَّة الأساسي" العنصري الإسرائيلي، الذي أماط اللثام كليًّا عن وجه إسرائيل الاستعماري في عدائها المطلق ليس للشَّعب الفلسطيني فقط، بل للكل العربي، ولكلّ أنصار السَّلام في العالم. الأمر الذي يدعو القيادات العربية للوقوف والتفكير الملي والجيد في واقع الحال الخطير، وما يحمله من تدهور أكثر بؤسًا وخطورة مما هو عليه الآن، وبالتالي إعادة النظر الجدية في السياسات المتبعة لحماية الذات والمجموع العربي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها